٣) الثالث: نسخ القرآن بالسنة المتواترة: وهذا أيضاً فيه خلاف كثير بين العلماء فمنهم من أجاز ومنهم من منع. قال المجيز: إن قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا وصية لوارث" ناسخ لقوله (تعالى): "الوصية للوالدين" الآية. واحتج بقوله (تعالى): "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"، وبقوله (تعالى): "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" فعمّم ولم يخصّص، فوجب علينا قبوله. وقال المانع القرآن معجزة والسنة غير معجزة فلا ينسخ المعجز من القرآن ما ليس بمعجز من السنة، واحتج بأن السنة مبيّنة للقرآن ولا يكون المبين للشيء ناسخاً. واستدل على المنع بقوله (تعالى): "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها"، والسنة ليست مثل القرآن: إذ هي محدثة والقرآن غير محدث. قلت هذا استدلال ظاهري فيه ما فيه، وأجاب أي المانع: عن قوله: "وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" أي: ما أعطاكم مما أنزل عليه من الكتاب فخذوه واقبلوه وصدقوا به، وعن قوله (تعالى): "وما ينطق عن الهوى" أي الذي يأتيكم به محمد (صلى الله عليه وسلم) من القرآن هو من عند الله، لم ينطق به من عند نفسه بدليل قوله (تعالى) بعد ذلك: "إن هو إلا وحي يوحى". وأجاب عن آية الوصية بأنها نسخت بآية المواريث، ويؤيده قول الإمام مالك: إنّ آية المواريث نسخت آية الوصية للوالدين فعلى هذا إنما نسخ القرآن بقرآن مثله والسنة إنما هي مبينة للآية الناسخة، قلت: ودليل المانع قوي وهو الحق إن شاء الله (تعالى). وقول بعضهم: إن قوله (عليه الصلاة والسلام): لا تقتلوا أهل الذمة ناسخ لقوله (تعالى): "اقتلوا المشركين" فيه نظر إذ هو تخصيص لا نسخ، وترجيح بعض المحققين للجواز وتعليله: بأنّ محلّ النسخ هو الحكم والدلالة عليه بالمتواتر ظنية كالآحاد = فيه نظر، لاسيما والقرآن ثابت بالإجماع لم يخالف فيه مخالف ثابت في المصاحف متلواً بالألسن محفوظاً في الصدور، وقد شهد الله