المطلب الرابع: كيفية الجمع :
استثقل زيد بن ثابت المهمة، إلا أنه حينما شرح الله له صدره باشر بها، وبدأ بجمع القرآن بوضع خطة أساسية للتنفيذ، اعتماداً على مصدرين هامين، وهما:
(١) ما كتب أمام الرسول ﷺ وبإملاء منه، وكان زيد نفسه من كتاب الوحي.
(٢) ما كان محفوظاً لدى الصحابة، وكان هو من حفاظه في حياته صلى الله عليه وسلم. وكان لا يقبل شيئاً من المكتوب، حتى يتيقن أنه:
أ - مما كتب بين يدي الرسول ﷺ، وذلك بشهادة شاهدين عدلين (١).
ب - وأنه مما ثبت في العرضة الأخيرة، ولم تنسخ تلاوته.
يدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قدم عمر، فقال: من كان تلقى من رسول الله ﷺ شيئاً من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئاً حتى يشهد شاهدان (٢).
كما يدل عليه ما أخرجه ابن أبي داود أيضاً، ولكن من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر وزيد :"اقعدا على باب المسجد، فمن جاء كما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه (٣) ".
قال الحافظ ابن حجر (٤) ( المراد بالشاهدين : الحفظ والكتابة ) (٥).
_________
(١) الإتقان: ١ / ٥٨.
(٢) كتاب المصاحف : ١ / ١٨١-١٨٢، وعنه السيوطي في الدرر المنثور: ٤ / ٣٣٢، وابن حجر في الفتح: ٩ / ١٥، وانظر فضائل القرآن لابن كثير (٢٧)، والإتقان : ١ / ١٦٦.
(٣) كتاب المصاحف ١ / ١٦٩، وانظر جمال القراء ١ / ٨٦، والفتح ٩ / ١٤، واللطائف ١ / ٥٦، وكنز العمال ٢ / ٥٧٣، والمرشد الوجيز: ٥٥.
(٤) أحمد بن علي بن محمد، المعروف بابن حجر العسقلاني، فلسطيني الأصل، من أعلام الحديث والتاريخ، مولده ووفاته بالقاهرة، ولد سنة: ٧٧٣ هـ، وتوفي سنة ٨٥٢ هـ، كثير التصانيف، من أشهرها: فتح الباري شرح صحيح البخاري، نخبة الفكر، تهذيب التهذيب، وتقريبه، لسان الميزان، الإصابة، بلوغ المرام، ( البدر الطالع: ١ / ٨٧، الأعلام : ١ / ١٧٨-١٧٩).
(٥) الفتح : ٩ / ١٤.