وقد ذهب العلامة السخاوي (١) إلى أن المراد بشاهدين :
رجلان عدلان يشهدان على أنه كتب بين يدي رسول الله ﷺ، أو أنه من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن (٢).
وقال أبو شامة (٣) : وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي ﷺ، لا من مجرد الحفظ.
ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده، ولذلك قال في الحديث الذي أوردناه عن البخاري سابقاً، إنه لم يجد آخر سورة براءة إلا مع أبي خزيمة، أي: لم يجدها مكتوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، مع أن زيداً كان يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة، زيادة في التوثق، ومبالغة في الاحتياط.
وعلى هذا الدستور الرشيد تم جمع القرآن في صحف بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة وأجمعت الأمة على ذلك دون نكير، وكان ذلك منقبة خالدة لا يزال التاريخ يذكرها بالجميل لأبي بكر في الإشراف، ولعمر في الاقتراح، ولزيد في التنفيذ، والصحابة في المعاونة والإقرار.
قال علي كرم الله وجه :" أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع بين اللوحين (٤) ".
_________
(١) علي بن محمد بن عبد الصمد، علم الدين أبو الحسن السخاوي، ولد في سخا بمصر سنة ٥٥٨ هـ، أو ٥٥٩ هـ، من أبرز تلامذة الإمام الشاطبي، وأول من شرح قصيدته باسم : فتح الوصيد في شرح القصيد، ومن مؤلفاته: جمال القراء، هداية المرتاب، الوسيلة إلى شرح العقيلة، توفي في دمشق سنة: ٦٤٣ هـ، (معرفة القراء الكبار: ٢ / ٦٣١، غاية النهاية: ١ / ٥٦٨، شذرات الذهب: ٥ / ٢٢٢، الأعلام : ٤ / ٣٣٢).
(٢) انظر: جمال القراء: ١ / ٨٦.
(٣) عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم أبو القاسم المقدسي الدمشقي، فلسطيني الأصل، المعروف بأبي شامة، لقب به لشامة كبيرة فوق حاجبه الأيسر، من أعلام القراء ومن أبرز تلامذة علم الدين السخاوي، ولد بدمشق سنة: ٥٩٩ هـ، من أشهر مؤلفاته: إبراز المعاني من حرز الأماني، المرشد الوجيز، قتل في: ٦٦٥ هـ، المعرفة: ٢ / ٦٧٣، الغاية : ١ / ٣٦٥، الأعلام: ٣ / ٢٩٩.
(٤) كتاب المصاحف: ١ / ١٦٦، وانظر المصنف لابن أبي شيبة: ٦ / ١٦٨، والمسند لأحمد : ١ / ٢٣٠، ٣٥٤.