وقد قوبلت تلك الصحف التي جمعها زيد بما تستحق من عناية فائقة، فحفظها أبو بكر عنده مدة حياته، ثم حفظها عمر بعده حتى شهادته، ثم حفظتها أم المؤمنين حفصة بنت عمر بعد وفاة والدها، حتى طلبها منها عثمان رضي الله عنه ليستنتسخ منها مصاحفه اعتماداً عليها، ثم ردها إليها إيفاء بالعهد الذي أعطاها إياه، فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم (١) حينما ولي المدينة فأبت، ثم لما توفيت رضي الله عنها سنة ٤٥ه، حضر مروان جنازتها، ثم طلب من أخيها عبد الله بن عمر رضي الله عنه فبعث بها إليه فأخذها مروان وأمر بإحراقها (٢).
يقول الإمام أبو عمرو الداني في جمع القرآن في العهد الصديقي:
وذاك بعد محنة وشدة... جرت على الصحب من أهل الردة
واستشهد القرأة الأكابر... يومئذ هناك والمشاهر
ووصل الأمر إلى الصديق... فحمد الله على التوفيق
وقال عند ذلك الفاروق... مقالة أيدها التوفيق
إني أرى القتل قد استحرا... بحاملي القرآن واستمرا
وربما قد دار مثل ذاكا... عليهم فعدموا بذاكا
فاستدرك الأمر وما قد كانا... واعمل على أن تجمع القرآنا
وراجعَ الصديقَ غير مره... فشرح الله لذاك صدره
فقال لابن ثابت إذ ذاكا... إني لهذا الأمر قد أراكا
_________
(١) مروان بن الحكم بن أبي العاص، أو عبد الملك، خليفة أموي، إليه ينسب بنو مروان، ولد بمكة في ٢ه، ونشأ بالطائف، وسكن المدينة، من خواص عثمان رضي الله عنه وكاتب سر له، ولسببه جرى لعثمان ما جرى له، قاتل في وقعة الجمل قتالاً شديداً، وشهد صفين مع معاوية، وتولى المدينة في أيامه، وأخرجه منها ابن الزبير فسكن الشام، وبها توفي في طاعون سنة : ٦٥ هـ، تهذيب التهذيب: ١٠ / ٩١، الأعلام : ٧ / ٢٠٧.
(٢) كتاب المصاحف : ١ / ١٧٧، ١ / ١٧٩، وراجع جمال القراء: ١ / ٨٨، مناهل العرفان : ١ / ٢٥٢، وانظر الفتح: ٩ / ١٦، ٢٠.