أما ما ورد في بعض الروايات (١) بأن علياً رضي الله عنه أول من جمع القرآن بعد رسول الله ﷺ فهي - على وهنها وضعفها - تثبت أن علياً أو بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف، وهي مصاحف فردية، ليست لها تلك الثقة ولم تنل حظها من الدقة والتحري، والجمع والترتيب، والاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، والمزايا التي ذكرناها سابقاً، ولم يحجر أبو بكر على أحد جمع وكتابة مصحف لنفسه، فكتابة القرآن أمر مسموح لجميع المسلمين، وكان الصحابة يكتبونه لأنفسهم، منهم أبي بن كعب (٢)، وابن مسعود... وغيرهما من الصحابة، وإذا كان بعض المصاحف قد سبق في الوجود على صحف أبي بكر فإن جمع أبي بكر هو الأول من نوعه على كل حال (٣).
_________
(١) كتاب المصاحف : ١ / ١٨٠، وقال ابن أبي داود : لم يذكر المصحف أحد إلا أشعث، وهو لين الحديث، وإنما رووا : حتى أجمع القرآن، يعني أتم حفظه، فإنه يقال للذي يحفظ القرآن : قد جمع القرآن، وهو بذلك نفى أن يكون علي رضي الله عنه قد جمع القرآن، وقد صرح ابن حجر بضعف هذه الرواية لانقطاع سندها، وعلى تقدير ثبوتها أولها بأن المراد بالجمع: حفظه في الصدر، على ما ذهب إليه مؤلف كتاب المصاحف، انظر الفتح: ٩ / ١٢-١٣، والإتقان : ١ / ١٦٤.
(٢) الإتقان : ١ / ٧٢.
(٣) راجع مناهل العرفان : ١ / ٢٥٤ -٢٥٥.