المطلب الثاني : بواعث الجمع في العهد العثماني:
الباعث الأساس في جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه هو : استدراك اختلاف القراء في وجوه قراءة القرآن الكريم وتخطئة بعضهم البعض، بل وصل الأمر - أحيانًا - إلى تكفير بعضهم البعض، فأراد رضي الله عنه جمع الأمة على مصحف موحد مجمع عليه.
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: عن ابن شهاب أن أنس بن مالكٍ حدَّثه أنّ حذيفة بن اليمان (١) قدِمَ على عثمانَ وكانَ يغازي أهلَ الشام في فتح إِرْمينية (٢) وأذربيجان (٣) مع أهل العراقِ فأفزَعَ حُذيفةَ اختلافُهم في القراءةِ فقالَ حُذيفة لعثمانَ : يا أميرَ المؤمنينَ أدركْ هذه الأمّةَ قبلَ أن يختلِفُوا في الكتابِ اختلافَ اليهودِ والنصارى فأرْسَلَ عثمانُ إلى حفصةَ أن أرسلي إلينا بالصُّحف ننسخُها في المصاحفِ ثم نردُّها إليكِ فأرسلتْ بها حفصَةُ إلى عثمانَ فأمَرَ زيدَ بن ثابت وعبد الله بن الزبيرِ وسعيدَ بن العاصِ وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف (٤). وأخرج ابن أبي داود (٥). من طريق أبي قلابة أنه قال:
_________
(١) هو حذيفة بن حِسل بن جابر العبسي، أبو عبد الله، صحابي من الولاة الشجعان الفاتحين، صاحب سر النبي ﷺ في المنافقين، لم يعلمهم أحد غيره، ولاه عمر على المدائن بفارس، وهاجم نهاوند سنة: ٢٢ هـ، وفتح الدينور وسندان وهمذان والري عنوةً، توفي في المدائن سنة ٣٦ هـ، تهذيب التهذيب ٢ / ٢١٩، غاية النهاية: ١ / ٢٠٣، وفيه: توفي بعد عثمان بأربعين يومًا، الأعلام : ٢ / ١٧١.
(٢) اسم لصُقع عظيم في جهة الشمال.. قيل هما إرمينيتان، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع، وقد أطال الحموي في وصفها، وكانت هي بأيدي الروم حتى جاء الإسلام، انظر معجم البلدان: ١ / ١٥٩-١٦١.
(٣) ذكر الحموي في ضبطها أربعة أقوال : أذَرَبيجان، أذَرْبيجان، آذرْبيجَان، وآذرِبيجَان، معناها: بيت النار بالفارسية، أو خازن النار، إقليم وساع، وصُقْع جليل، وملكة عظيمة، من مدنها: تبريز، الغالب عليها الجبال، ذات قلاع كثيرة، وخيرات واسعة، وفواكه جمة، وبساتين كثيرة ومياه وافرة وعيون جارية، فتحت أيام عمر بن الخطاب فولى عليها الحذيفة بن اليمان، ثم عزله وولى عليها عتبة بن فرقد، ثم لما عزل عثمان بن عفان عتبة بن فرقد نقضوا، فغزاهم الوليد بن عقبة سنة خمس وعشرين، ثم صالح أهلها على صلح حذيفة، انظر: معجم البلدان للحموي: ١ / ١٢٨-١٢٩.
(٤) البخاري، فضائل القرآن، رقم: ٤٦٠٤، الترمذي، أبواب تفسير القرآن، برقم : ٣٠٢٩، وانظر كتاب المصاحف: ١ / ٢٠٤، والفتح : ٩ / ١١، والمقنع: ٤.
(٥) عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، أبو بكر، من كبار المحدثين والمقرئين، صاحب كتاب المصاحف، ولد في سجستان (من بلاد أفغانستان الحالية) ٢٣٠ه، وتوفي سنة ٣١٦هـ، الغاية: ١ / ٤٢٠، ميزان الاعتدال : ٢ / ٤٣، الأعلام: ٤ / ٩١