أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ١٦
ما قبلها لأنها دوام على فعل قد ابتدأه وحكم الدوام حكم الابتداء كالركوع إذا أطاله وكذلك السجود وسائر أفعال الصلاة الدوام على الفعل الواحد منها حكمه حكم الابتداء حتى إذا كان الابتداء فرضا كان ما بعده في حكمه وأما من رأى إعادتها عند كل سورة فإنهم فريقان أحدهما من لم يجعلها من السورة والآخر من جعلها من أوائلها فأما من جعلها من أوائلها فإنه رأى إعادتها كما يقرأ سائر آي السورة وأما من لم يرها من السورة فإنه يجعل كل سورة كالصلاة المبتدأة فيبتدئ فيها بقراءتها كما فعلها في أول الصلاة لأنها كذلك في المصحف كما لو ابتدأ قراءة السورة في غير الصلاة بدأ بها فلذلك إذا قرأ قبلها سورة غيرها وقد روى أنس ابن مالك أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال (أنزلت على سورة آنفا ثم قرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم ثم قرأ إنا أعطيناك الكوثر)
إلى آخرها حتى ختمها وروى أبو بردة عن أبيه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قرأ [بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ ]
فهذا يدل على أنه عليه السلام قد كان يبتدئ قراءة السورة في غير الصلاة بها وكان سبيلها أن يكون كذلك حكمها في الصلاة وقد روى عبد اللّه بن دينار عن ابن عمر أنه كان يفتتح أم القرآن ببسم اللّه الرحمن الرحيم ويفتتح السورة ببسم اللّه الرحمن الرحيم وروى جرير عن المغيرة قال أمنا إبراهيم فقرأ في صلاة المغرب [أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ ] حتى إذا ختمها وصل بخاتمتها [لِإِيلافِ قُرَيْشٍ ] ولم يفصل بينهما ببسم اللّه الرحمن الرحيم.
فصل وأما الجهر بها فإن أصحابنا والثوري قالوا يخفيها وقال ابن أبى ليلى إن شاء جهر وإن شاء أخفى وقال الشافعى يجهر بها وهذا الإختلاف إنما هو في الإمام إذا صلّى صلاة يجهر فيها بالقراءة وقد روى عن الصحابة فيها اختلاف كثير فروى عمر بن ذر عن أبيه قال صليت خلف ابن عمر فجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم وروى حماد عن إبراهيم قال كان عمر يخفيها ثم يجهر بفاتحة الكتاب وروى عنه أنس مثل ذلك قال إبراهيم كان عبد اللّه ابن مسعود وأصحابه يسرون قراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم لا يجهرون بها وروى أنس أن أبا بكر وعمر كانا يسران ببسم اللّه الرحمن الرحيم وكذلك روى عنه عبد اللّه بن المغفل وروى المغيرة عن إبراهيم قال جهر الإمام ببسم اللّه الرحمن الرحيم في الصلاة بدعة وروى جرير عن عاصم الأحول قال ذكر لعكرمة الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم في


الصفحة التالية
Icon