أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٢٧٥
وكل قوم رأوا الهلال فالفرض عليهم العمل على رؤيتهم في الصيام والإفطار
بقوله صلّى اللّه عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
ويدل عليه اتفاق الجميع على أن على أهل كل بلد أن يصوموا لرؤيتهم وأن يفطروا لرؤيتهم وليس عليهم انتظار رؤية غيرهم من أهل سائر الآفاق فثبت بذلك أن كلا منهم مخاطب برؤية أهل بلده دون غيرهم قيل له معلوم أن
قوله صلّى اللّه عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
عام في أهل سائر الآفاق وأنه غير مخصوص بأهل بلد دون غيرهم وإذا كان كذلك فمن حيث وجب اعتبار رؤية أهل بلد في الصوم والإفطار وجب اعتبار رؤية غيرهم أيضا فإذا صاموا للرؤية تسعة وعشرين يوما وقد صام غيرهم أيضا للرؤية ثلاثين فعلى هؤلاء قضاء يوم لوجود الرؤية منهم بما يوجب صوم ثلاثين يوما وأما المحتج باتفاق الجميع على أن على كل أهل بلد من الآفاق اعتبار رؤيتهم دون انتظار رؤية غيرهم فإنما يوجب ذلك عندنا على شريطة أن لا تكون رؤية غيرهم مخالفة لرؤيتهم في حكم العدد فكلفوا في الحال ما أمكنهم اعتباره ولم يكلفوا ما لا سبيل لهم إليه في معرفته في ذلك الوقت فمتى يتبين لهم غيره عملوا عليه كما لو حال بينهم وبين منظره سحاب أو ضباب وشهد قوم من غيرهم أنهم قد رأوه قبل ذلك لزمهم العمل على ما أخبرهم به دون ما كان عندهم من الحكم بعدم الرؤية وقد روى في ذلك حديث يحتج به المخالف في هذه المقالة وهو ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثني محمد بن أبى حرملة قال أخبرنى كريب أن أم الفضل بنت الحرث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشأم فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشأم فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألنى ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت ليلة الجمعة فقال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى نكمل الثلاثين أو نراه فقلت أولا تكتفى برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهذا لا يدل على ما ذكر لأنه لم يحك جواب النبي صلّى اللّه عليه وسلم وقد سئل عن هذه بعينها فأجاب به وإنما قال هكذا أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ويشبه أن يكون تأول فيه
قوله صلّى اللّه عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته
على ما قالوا بل وجه دلالته على ما قلنا ظاهر على ما قدمنا فلم يصح الاحتجاج به فيما اختلفنا وقد ذكر عن الحسن البصري ما حدثنا


الصفحة التالية
Icon