أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٣٩١
وقال جمهور أهل العلم حجه تام ولا يفسده ترك الوقوف بالمزدلفة واحتج من لم يجعله من فروضه بما
روى عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم في حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال (الحج عرفة فمن وقف قبل أن يطلع الفجر فقد تم حجه)
وقال في بعض الأخبار من أدرك عرفة فقد أدرك الحج ومن فاته عرفة فقد فاته الحج
فحكم بصحة حجه بإدراك عرفة ولم يشترط معه الوقوف بجمع ويدل عليه ما
روى ابن عباس وابن عمرو نقله الناس قائلين له أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قدم ضعفة أهله بليل
وفي بعض الأخبار ضعفة الناس من المزدلفة ليلا وقال لهم لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس
فلو كان الوقوف بها فرضا لما رخص لهم في تركه للضعف كما لا يرخص في الوقوف بعرفة لأجل الضعف فإن قيل لأنهم كانوا وقفوا ليلا وهو وقت الوقوف بها وروى سالم بن عمرو هو أحد من روى حديث تقديم ضعفة الناس من المزدلفة فكان يقدم ضعفة أهله من المزدلفة فيقفون عند المشعر الحرام بليل فيذكرون ما بدا لهم ثم يدفعون قيل له وقت الوقوف بها بعد طلوع الفجر وقد نقل الناس وقوف النبي صلّى اللّه عليه وسلم بها بعد طلوع الفجر ولم يأمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم ضعفة أهله بالوقوف حين عجلهم منها ليلا
ولو كان ذلك وقت الوقوف لأمرهم به ولم يرخص لهم في تركه مع إمكانه من غير عذر وما روى عن ابن عمر فإنما هو من فعله ليس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم ولم يقل ابن عمر أيضا أن هذا وقت الوقوف وإنما كان ذلك على وجه الاستحباب للذكر قبل الرجوع إلى منى ويدل على أن وقت الوقوف بعد طلوع الفجر إنا وجدنا سائر أفعال المناسك إنما وقتها بالنهار والليل يدخل فيه على وجه التبع على ما بينا واحتج من جعل الوقوف بها فرضا بظاهر قوله تعالى [فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ] فظاهره يقتضى الوجوب ويحتجون أيضا
بحديث مطرف بن طريف عن الشعبي عن عروة بن مضرس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال (من أدرك جمعا والإمام واقف فوقف مع الإمام ثم أفاض مع الناس فقد أدرك الحج ومن لم يدرك فلا حج له)
وبما روى يعلى بن عبيد قال حدثنا سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم واقفا بعرفات فأقبل ناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال (الحج يوم عرفة ومن أدرك جمعا قبل الصبح فقد أدرك الحج)
فأما قوله [فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ] فلا دلالة فيه على ما ذكروا وذلك لأنه أمر بالذكر وقد اتفق الجميع على أن الذكر هناك