أحكام القرآن (الجصاص)، ج ١، ص : ٤٧
فيه أربعون يوما وهذا عندنا لا يقدح في استدلالهم لأن قوله تعالى أياما معدودات جائز أن يريد به أياما قليلة كقوله [دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ] يعنى قليلة ولم يرد به تحديد العدد وتوقيت مقداره وإنما المراد به أنه لم يفرض عليهم من الصوم ما يشتد ويصعب ويحتمل أن يريد به وقتا مبهما كقولهم أيام بنى أمية وأيام الحجاج ولا يراد به تحديد الأيام وإنما المراد به زمان ملكهم وقوله عليه السلام (دعى الصلاة أيام إقرائك)
قد أريد به لا محالة تحديد الأيام إذ لا بد من أن يكون للحيض وقت معين مخصوص لا يتجاوزه ولا يقصر عنه فمتى أضيف ذكر الأيام إلى عدد مخصوص يتناول إما بين الثلاثة إلى العشرة وقوله تعالى [بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ] قد عقل منه استحقاق النار بما يكسب من السيئة وإحاطتها به فكان الجزاء مستحقا بوجود الشرطين غير مستحق بوجود أحدهما وهذا يدل على أن من عقد اليمين على شرطين في عتاق أو طلاق أو غيرهما أنه لا يحنث بوجود أحدهما دون وجود الآخر
قوله تعالى [وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً] يدل على تأكيد حق الوالدين ووجوب الإحسان إليهما كافرين كانا أو مؤمنين لأنه قرنه إلى الأمر بعبادته تعالى وقوله [وَذِي الْقُرْبى ] يدل على وجوب صلة الرحم والإحسان إلى اليتامى والمساكين [وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً]
روى عن أبى جعفر محمد بن على وقولوا للناس حسنا كلهم
قال أبو بكر وهذا يدل على أنهم كانوا متعبدين بذلك في المسلم والكافر وقد قيل أن ذلك على معنى قوله تعالى [ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ] والإحسان المذكور في الآية إنما هو الدعاء إليه والنصح فيه لكل أحد وروى عن ابن عباس وقتادة أنها منسوخة بالأمر بالقتال وقد قال تعالى [لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ] وقد أمر اللّه تعالى بلعن الكفار والبراءة منهم والإنكار على أهل المعاصي وهذا مما لا يختلف فيه شرائع الأنبياء عليهم السلام فدل ذلك على أن المأمور به من القول الحسن أحد وجهين إما أن يكون ذلك خاصا في المسلمين ومن لا يستحق اللعن والنكير وإن كان عاما فهو الدعاء إلى اللّه تعالى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وذلك كله حسن وأخبرنا اللّه تعالى أنه كان أخذ الميثاق على بنى إسرائيل بما ذكر والميثاق وهو العقد المؤكد إما بوعيد أو بيمين وهو نحو أمر اللّه الصحابة بمبايعة النبي صلّى اللّه عليه وسلم على


الصفحة التالية
Icon