أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٢٩٩
بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً
قال مجاهد وقتادة إلا ما دمت عليه قائما بالتقاضي وقال السدى إلا ما دمت قائما على رأسه بالملازمة له واللفظ محتمل للأمرين من التقاضي ومن الملازمة وهو عليهما جميعا وقوله تعالى إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً بالملازمة أولى منه بالتقاضي من غير ملازمة وقد دلت الآية على أن للطالب ملازمة المطلوب بالدين وقوله تعالى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ روى عن قتادة والسدى أن اليهود قالت ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل لأنهم مشركون وزعموا أنهم وجدوا ذلك في كتبهم وقيل أنهم قالوا ذلك في سائر من يخالفهم في دينهم ويستحلون أموالهم لأنهم يزعمون أن على الناس جميعا اتباعهم وادعوا ذلك على اللّه أنه أنزل عليهم فأخبر اللّه تعالى عن كذبهم في ذلك بقوله تعالى وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنه كذب قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا
روى الأعمش عن سفيان عن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فاجر فيها لقى اللّه وهو عليه غضبان
وقال الأشعث بن قيس في نزلت كان بيني وبين رجل خصومة فخاصمته إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال ألك بينة قلت لا قال فيمينه قلت إذا يحلف فذكر مثل قول عبد اللّه فنزلت إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
الآية وروى مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب عن أخيه عبد اللّه بن كعب ابن مالك عن أبى أمامة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال من اقتطع حق مسلم بيمنه حرم اللّه عليه الجنة وأوجب له النار قالوا وإن كان شيئا يسيرا يا رسول اللّه قال وإن كان قضيبا من أراك
وروى الشعبي عن علقمة عن عبد اللّه قال سمعت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول من حلف على يمين صبر ليقطع بها مال أخيه لقى اللّه وهو عليه غضبان
وظاهر الآية وهذه الآثار تدل على أنه لا يستحق أحد بيمينه مالا هو في الظاهر لغيره وكل من في يده شيء يدعيه لنفسه فالظاهر أنه له حتى يستحقه غيره وقد منع ظاهر الآية والآثار التي ذكرنا أن يستحق بيمينه مالا هو لغيره في الظاهر ولو لا يمينه لم يستحقه لأنه معلوم أنه لم يرد به مالا هو له عند اللّه دون ما هو عندنا في الظاهر إذ كانت الأملاك لا تثبت عندنا إلا من طريق الظاهر دون الحقيقة وفي ذلك دليل على بطلان قول القائلين برد اليمين لأنه يستحق بيمينه ما كان ملكا لغيره في الظاهر وفيه الدلالة على أن الأيمان ليست