أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣٢١
عن قتال الفئة الباغية وعن الإنكار على السلطان الظلم والجور حتى أدى ذلك إلى تغلب الفجار بل المجوس وأعداء الإسلام حتى ذهبت الثغور وشاع الظلم وخربت البلاد وذهب الدين والدنيا وظهرت الزندقة والغلو ومذهب الثنوية والخرمية والمزدكية والذي جلب ذلك كله عليهم ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإنكار على السلطان الجائر واللّه المستعان وقد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عباد الواسطي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا إسرائل قال حدثنا محمد بن جحادة عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر أو أمير جائر
وحدثنا محمد بن عمر قال أخبرنى أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب المروزى قال سمعت أبا عمارة قال سمعت الحسن بن رشيد يقول سمعت أبا حنيفة يقول أنا حدثت إبراهيم الصائغ عن عكرمة عن ابن عباس قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله
قوله تعالى وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ قد اقتضى ذلك نفى إرادة الظلم من كل وجه فلا يريد هو أن يظلمهم ولا يريد أيضا ظلم بعضهم لبعض لأنهما سواء في منزلة القبح ولو جاز أن يريد ظلم بعضهم لجاز أن يريد ظلمه لهم ألا ترى أنه لا فرق في العقول بين من أراد ظلم نفسه لغيره وبين من أراد ظلم إنسان لغيره وأنهما سواء في القبح فكذلك ينبغي أن تكون إرادته للظلم منتفية منه ومن غيره قوله عز وجل كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ قيل في معنى قوله كُنْتُمْ وجوه روى عن الحسن أنه يعنى فيما تقدمت البشارة والخبر به من ذكر الأمم في الكتب المتقدمة قال الحسن نحن آخرها وأكرمها على اللّه
وحدثنا عبد اللّه بن محمد بن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبى الربيع قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في قوله تعالى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قال أنتم تتمنون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على اللّه تعالى
فكان معناه كنتم خير أمة أخبر اللّه بها أنبياءه فيما أنزل إليهم من كتبه وقيل إن دخول كان وخروجها بمنزلة إلا بمقدار دخولها لتأكيد وقوع الأمر لا محالة إذ هو بمنزلة ما قد كان في الحقيقة كما قال تعالى وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً والمعنى الحقيقي وقوع ذلك وقيل كنتم خير أمة بمعنى حدثتم خير أمة فيكون خير أمة بمعنى «٢١- أحكام في»