أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٢، ص : ٣٢٦
يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً قوله تعالى وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ قال ابن عباس والحسن علماء وفقهاء وقال مجاهد وقتادة جموع كثيرة وقوله تعالى فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا فإنه قيل في الوهن بأنه انكسار الجسد ونحوه والضعف نقصان القوة وقيل في الاستكانة أنها إظهار الضعف وقيل فيه أنه الخضوع فبين تعالى أنهم لم يهنوا بالخوف ولا ضعفوا لنقصان القوة ولا استكانوا بالخضوع وقال ابن إسحاق فما وهنوا بقتل نبيهم ولا ضعفوا عن عدوهم ولا استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن دينهم وفي هذه الآية الترغيب في الجهاد في سبيل اللّه والحض على سلوك طريق العلماء من صحابة الأنبياء والأمر بالاقتداء بهم في الصبر على الجهاد وقوله تعالى وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا الآية فيه حكاية دعاء الربيين من أتباع الأنبياء المتقدمين وتعليم لنا لأن نقول مثل قولهم عند حضور القتال فينبغي للمسلمين أن يدعوا بمثله عند معاينة العدو لأن اللّه تعالى حكى ذلك عنهم على وجه المدح لهم والرضا بقولهم لنفعل مثل فعلهم ونستحق من المدح كاستحقاقهم قوله تعالى فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ قال قتادة والربيع بن أنس وابن جريج ثواب الدنيا الذي أوتوه هو النصر على عدوهم حتى قهروهم وظفروا بهم وثواب الآخرة الجنة وهذا دليل على أنه يجوز اجتماع الدنيا والآخرة لواحد
روى عن على رضى اللّه عنه أنه قال من عمل لدنياه أضر بآخرته ومن عمل لآخرته أضر بدنياه وقد يجمعهما اللّه تعالى لأقوام قوله تعالى سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً
فيه دليل على بطلان التقليد لأن اللّه تعالى حكم ببطلان قولهم إذ لم يكن معهم برهان عليه والسلطان هاهنا هو البرهان ويقال إن أصل السلطان القوة فسلطان الملك قوته والسلطان الحجة لقوتها على قمع الباطل وقهر المبطل بها والتسليط على الشيء التقوية عليه مع الإغراء به وفيه الدلالة على صحة نبوة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لما أخبر به من إلقاء الرعب في قلوب المشركين فكان كما أخبر به وقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نصرت بالرعب حتى أن العدو ليرعب منى وهو على مسيرة شهر
قوله تعالى وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ فيه إخبار بتقدم وعد اللّه تعالى لهم بالنصر على عدوهم ما لم يتنازعوا ويختلفوا فكان كما أخبر به يوم أحد ظهروا على عدوهم وهزموهم وقتلوا منهم وقد كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أمر الرماة بالمقام في موضع