أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٤، ص : ٢٧٩
ولا غيره من المساجد إلا لحاجة من نحو الذمي يدخل إلى الحاكم في المسجد للخصومة وقال الشافعى يدخل كل مسجد إلا المسجد الحرام خاصة وقال أصحابنا يجوز للذمي دخول سائر المساجد وإنما معنى الآية على أحد وجهين إما أن يكون النهى خاصا في المشركين الذين كانوا ممنوعين من دخول مكة وسائر المساجد لأنهم لم تكن لهم ذمة وكان لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وهم مشركوا العرب أو أن يكون المراد منعهم من دخول مكة للحج ولذلك أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالنداء يوم النحر في السنة التي حج فيها أبو بكر فيما روى الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن أبا بكر بعثه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك فنبذ أبو بكر إلى الناس فلم يحج في العام الذي حج فيه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مشرك فأنزل اللّه تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس الآية وفي حديث على حين أمره النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بأن يبلغ عنه سورة براءة نادى ولا يحج بعد العام مشرك
وفي ذلك دليل على المراد بقوله فلا يقربوا المسجد الحرام ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء وإنما كانت خشية العيلة لانقطاع تلك المواسم بمنعهم من الحج لأنهم كانوا ينتفعون بالتجارات التي كانت تكون في مواسم الحج فدل ذلك على أن مراد الآية الحج ويدل عليه اتفاق المسلمين على منع المشركين من الحج والوقوف بعرفة والمزدلفة وسائر أفعال الحج وإن لم يكن في المسجد ولم يكن أهل الذمة ممنوعين من هذه المواضع ثبت أن مراد الآية هو الحج دون قرب المسجد لغير الحج لأنه إذا حمل على ذلك كان عموما في سائر المشركين وإذا حمل على دخول المسجد كان خاصا في ذلك دون ما قرب المسجد والذي في الآية النهى عن قرب المسجد فغير جائز تخصيص المسجد به دون ما يقرب منه وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عثمان بن أبى العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ضرب لهم قبة في المسجد فقالوا يا رسول اللّه قوم أنجاس فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنه ليس على الأرض من أنجاس الناس شيء إنما أنجاس الناس على أنفسهم
وروى يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان كان يدخل مسجد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهو كافر غير أن ذلك لا يحل في المسجد الحرام لقول اللّه تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام قال أبو بكر فأما وفد ثقيف فإنهم جاءوا بعد فتح مكة