أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٤٠
بخمر لزوال الاستحالة الموجبة لكونها خمرا
قوله تعالى إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً فيه الدلالة على أن على الإنسان أن يهرب بدينه إذا خاف الفتنة فيه وأن عليه أن لا يتعرض لإظهار كلمة الكفر وإن كان على وجه التقية ويدل على أنه إذا أراد الهرب بدينه خوف الفتنة أن يدعو بالدعاء الذي حكاه اللّه عنهم لأن اللّه قد رضى ذلك من فعلهم وأجاب دعاءهم وحكاه لنا على جهة الاستحسان لما كان منهم
قوله تعالى لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً معناه ليظهر المعلوم في اختلاف الحزبين في مدة لبثهم لما في ذلك من العبرة
قوله تعالى لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً قيل فيه وجوه أحدها ما ألبسهم اللّه تعالى من الهيبة لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم وينتبهوا من رقدتهم وذلك وصفهم في حال نومهم لا بعد اليقظة والثاني إنهم كانوا في مكان موحش من الكهف أعينهم مفتوحة يتنفسون ولا يتكلمون والثالث إن أظفارهم وشعورهم طالت فلذلك يأخذ الرعب منهم قوله تعالى قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ لما حكى اللّه ذلك عنهم غير منكر لقولهم علمنا أنهم كانوا مصيبين في إطلاق ذلك لأن مصدره إلى ما كان عندهم من مقدار اللبث وفي اعتقادهم لا عن حقيقة اللبث في المغيب وكذلك هذا في قوله فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ولم ينكر اللّه ذلك لأنه أخبر عما عنده وفي اعتقاده لا عن مغيب أمره وكذلك قول موسى عليه السلام للخضر أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً- و- لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً يعنى عندي كذلك ونحوه
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كل ذلك لم يكن حين قال ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت
قوله تعالى فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ الآية يدل على جواز خلط دراهم الجماعة والشرى بها والأكل من الطعام الذي بينهم بالشركة وإن كان بعضهم قد يأكل أكثر مما يأكل غيره وهذا الذي يسميه الناس المناهدة ويفعلونه في الأسفار وذلك لأنهم قالوا فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فأضاف الورق إلى الجماعة ونحوه قوله تعالى وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فأباح لهم بذلك خلط طعام اليتيم بطعامهم وأن تكون يده مع أيديهم مع جواز أن يكون بعضهم أكثر أكلا من غيره وفي هذه الآية دلالة على جواز الوكالة بالشرى لأن الذي بعثوا به كان وكيلا لهم.