أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٤١

باب الاستثناء في اليمين


قال اللّه تعالى وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ قال أبو بكر هذا الضرب من الاستثناء يدخل لرفع حكم الكلام حتى يكون وجوده وعدمه سواء وذلك لأن اللّه تعالى ندبه الاستثناء بمشيئة اللّه تعالى لئلا يصير كاذبا بالحلف فدل على أن حكمه ما وصفنا ويدل عليه أيضا قوله عز وجل حاكيا عن موسى عليه السلام سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً فلم يصبر ولم يك كاذبا لوجود الاستثناء في كلامه فدل على أن معناه ما وصفنا من دخوله في الكلام لرفع حكمه فوجب أن لا يختلف حكمه في دخوله على اليمين أو على إيقاع الطلاق أو على العتاق وقد روى أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من حلف على يمين فقال إن شاء اللّه فلا حنث عليه وفي بعض الألفاظ فقد استثنى
قال أبو بكر ولم يفرق بين شيء من الأيمان فهو على جميعها وعن عبد اللّه بن مسعود من قوله مثله وعطاء وطاوس ومجاهد وإبراهيم قالوا الاستثناء في كل شيء وقد روى إسماعيل بن عياش عن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا قال الرجل لعبده أنت حر إن شاء اللّه فهو حر وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء اللّه فليست بطالق
وهذا حديث شاذ واهي السند غير معمول عليه عند أهل العلم وقد اختلف أهل العلم بعد اتفاقهم على صحة الاستثناء في الوقت الذي يصح فيه الاستثناء على ثلاثة أنحاء فقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية إذا استثنى بعد سنة صح استثناؤه وقال الحسن وطاوس يجوز الاستثناء مادام في المجلس وقال إبراهيم وعطاء والشعبي لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام وروى عن إبراهيم في الرجل يحلف ويستثنى في نفسه قال لا حتى يجهر بالاستثناء كما جهر بيمينه وهذا محمول عندنا على أنه لا يصدق في القضاء إذا ادعى أنه كان استثنى ولم يسمع منه وقد سمع منه اليمين وقال أصحابنا وسائر الفقهاء لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام وذلك لأن الاستثناء بمنزلة الشرط والشرط لا يصلح ولا يثبت حكمه إلا موصولا بالكلام من غير فصل مثل قوله أنت طالق إن دخلت الدار فلو قال أنت طالق ثم قال إن دخلت الدار بعد ما سكت لم يوجب ذلك تعلق الطلاق بالدخول ولو جاز هذا لجاز أن يقول لامرأته أنت طالق ثلاثا ثم يقول بعد سنة إن شاء اللّه فيبطل الطلاق ولا تحتاج إلى زوج ثان في إباحتها للأول وفي


الصفحة التالية
Icon