أحكام القرآن (الجصاص)، ج ٥، ص : ٧٧
وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ قيل فيه وجهان أحدهما إلا ما يتلى عليكم في كتاب اللّه من الميتة والدم ولحم الخنزير والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والثاني وأحلت لكم بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم في حال إحرامكم إلا ما يتلى عليكم من الصيد فإنه يحرم على المحرم قوله تعالى فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ يعنى اجتنبوا تعظيم الأوثان فلا تعظموها واجتنبوا الذبائح لها على ما كان يفعله المشركون وسماها رجسا استقذارا لها واستخفافا بها وإنما أمرهم باستقذارها لأن المشركين كانوا ينحرون عليها هداياهم ويصبون عليها الدماء وكانوا مع هذه النجاسات يعظمونها فهي اللّه المسلمين عن تعظيمها وعبادتها وسماها رجسا لقذارتها ونجاستها من الوجوه التي ذكرنا ويحتمل أن يكون سماها رجسا للزوم اجتنابها كاجتناب الأقذار والأنجاس.

باب شهادة الزور


قال اللّه عز وجل وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ والزور الكذب وذلك عام في سائر وجوه الكذب وأعظمها الكفر باللّه والكذب على اللّه عز وجل وقد دخل فيه شهادة الزور
حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة قال حدثنا محمد ويعلى ابنا عبيد عن سفيان العصفري عن أبيه عن حبيب بن النعمان عن خريم بن فاتك قال صلى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الصبح ثم قال عدلت شهادة الزور بالإشراك باللّه ثم تلا هذه الآية فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ
وروى وائل بن ربيعة عن عبد اللّه بن مسعود قال عدلت شهادة الزور بالشرك باللّه ثم قرأ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا محمد بن العباس المؤدب قال حدثنا عاصم بن على قال حدثنا محمد بن الفرات التميمي قال سمعت محارب بن دثار يقول أخبرنى عبد اللّه بن عمر أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول شاهد الزور لا تزول قدماه حتى توجب له النار
وقد اختلف في حكم شاهد الزور فقال أبو حنيفة لا يعزر وهذا عندنا على أنه إن جاء تائبا فأما إن كان مصرا فإنه لا خلاف عندي بينهم في أنه يعزر وقال أبو يوسف ومحمد يضرب ويسخم وجهه ويشهر ويحبس وقد روى عبد اللّه بن عامر عن أبيه قال أتى عمر بن الخطاب بشاهد زور فجرده وأوقفه للناس يوما وقال هذا فلان بن فلان فاعرفوه ثم حبسه


الصفحة التالية
Icon