ففي الآية الأولى : فصل الحكم وقرره بالشهادة. وفي الآية الثانية : قرره وأكده بالقسم. (١)
وعن بعض الأعراب أنه لما سمع قوله تعالى :(وفي السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) (٢) صرخ وقال :- من ذا الذي أغضب الجليل حتى ألجأه لليمين. (٣) فالقسم ضرب من البيان ألفه العرب، ليوثقوا به أنباءهم، وتبين أنه كثيرا ما يجيئ للإستشهاد والإستدلال على صدق المقال، فهو إذن نوع من الدليل الواقعي المحسوس، الذي يستميل المشاعر والوجدان، ويثير الإنتباه والتفكير.
الركن الثاني : المقْسَم به :- ولمجيئه في القرآن الكريم أغراض :
الأول :- أنه قد يكون شيئاً علوياً بعيداً عنا يثير الرهبة والعظمة والجلال، ويدعونا ذكره والقسم به، إلى أن يثيرلدينا الفضول العلمي، وحب الاستطلاع، فأخذ في توجيه أنظارنا إليه بالبحث والدرس والتحليل، ومحاولة تسخيره لمنافعنا، وذلك كالسماء، وما فيها من شمس، وقمر، ونجوم، ومظاهر كونية كثيرة، فالقسم بهذه الكائنات العلوية، يدفع الناس إلى البحث والتنقيب، ونصوص القرآن الدالة على النظر والبحث كثيرة، منها قوله تعالى :- (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) (٤)،
وقوله تعالى :(أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله من شيء ) (٥). وقد أثبت الواقع أنه كلما تعمق الباحثون في دراسة هذه الظواهر التي أقسم الله بها، وجدوا فيها من العظمة والجلال، والقدرة الإلهية، ما تخر له النفوس ساجدة خاشعة، قائلة :(ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) (٦).
(٢) - سورة الذاريات : الآيتان : ٢٢، ٢٣.
(٣) - شهاب الدين محمود الآلوسي : روح المعاني، ج٢٧، ص ١٠-١١.
(٤) - _ سورة يونس : آية /١٠١.
(٥) - – سورة الأعراف : آية /١٨٥
(٦) - – سورة آل عمران : آية /١٩١.