١- روي أن (هجرسا) حين هم بقتل خاله (جساساً) قاتل أبيه، قال :- ( وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيفي وغراريه، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه ) (١)، ثم طعنه فقضى عليه. لم يرد (هجرس) تقديس فرسه، وأذنيه ورمحه، ونصليه وسيفه، وغراريه، ولا تشريفها، وإن كانت عظيمة عنده، عزيزة عليه، ولكنه أراد أن يقول :
لا عذر لي في أن أترك قاتل أبي حيا أنظر إليه، وأنا تام الأهبة، قادر على الضرب والطعن والثأر، أو أراد أن يقول : أنا تام العدة، قادر على الثأر، ومن كان كذلك، لا يسوغ له أن يترك قاتل أبيه حيا وهو ينظر إليه، فأنا لا يسوغ لي أن أترك قاتل أبي حيا، وأنا أنظر إليه، فوضع الدليل في صورة القسم التي تفيد تأكيد المحلوف عليه، وتلفت السامع إليه، دون أن تعطي الخصم فرصة الإنكار، أو الفرار.
٢ – قال عروة بن مرة الهذلي :-
وقال أبو أمامة يالبكر فقلت ومرخة دعوى كبير.
يستهزئ الشاعر بأبي أمامة على استغاثته بقبيلة بكر، فقال : هذه دعوى كبيرة، أي : ما أصغر من يدعوهم لنصره، فأقسم بشجرة صغيرة لا تؤوي من يلوذ بها، وضربها مثلا لأضعف الأشياء ملاذا، وإنما قال :(كبير)، تهكما، فهو يريد : فقلت ومرخة دعوى صغير، على حد قولك للأسود : يا أبيض، وللجبان : يا أسد. وكقوله تعالى :(ذق إنك أنت العزيز الكريم) (٢) أي : الذليل اللئيم.
ويتضح هذا المعنى مما قاله أبو جندب الهذلي :
وكنت إذا جار دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري.
فلا تحسباجاري لدى ظل مرخة ولا تحسبنه فقع قاع بقرقر.

(١) - عبد الحميد الفراهي : إمعان في أقسام القرآن ( مرجع سابق ) ص ٣٥. وانظر القصةكاملة في الأغاني : لأبي الفرج الأصفهاني ج٥/ ص٦١. ومحمد أحمد جاد المولى : أيام العرب في الجاهلية، وزملاؤه. ص ١٤٢-١٦٨.
(٢) - سورة الدخان : آية / ٤٩.


الصفحة التالية
Icon