٢- إن القرآن يتصرف في أساليبه، فتارة يذكر الأمور الدالة على وجود الله، ووحدانيته وقدرته، في أسلوب القسم بها، وتارة يسوقها مساق العظة والتوجية، وهي في الحالتين بينات على ما سيقت إليه، لمن يتفكر فيها، ويتدبر مراميها. قال تعالى :- (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (١)، وفي آيات أخرى استدلال بالأرض، والسماء، والجبال، والبحار، وغيرها، على طريق القسم بها، ولا شك أن توجيه القسم بها على أنه استدلالي للاحتجاج والاستشهاد، يناظر ذكرها للعظة، والتوجيه، والاعتبار
٣- ليس من المعقول أن يتصور إنسان مؤمن أن الله الخالق يقدس مخلوقاته التي أقسم الله بها، وهي كما ذكر القرآن الكريم مرارا، مسخرة طائعة لله، لا تملك لنفسها ولا لغيرها، نفعا ولا ضرا.
٤- على أن القرآن الكريم قد يذكر الآيات الدالة، ثم يقسم بالله سبحانه، كأنه قد مهد بذكرها، لبيان المراد من الاستدلال بها، قال تعالى :(وفي الأرض آيات للموقنين. وفي أنفسكم أفلا تبصرون. وفي السماء رزقكم وما توعدون. فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) (٢).
ومعنى هذا : أن الآيات المنبثه في الأرض وما عليها، وفي النفوس وأحوالها وأسرارها، وفي السماء ونجومها وسحبها، كلها أدلة على وجود الله وقدرته، ودلائل على صدق النبوة والبعث، والقرآن، ولهذا عقب بالقسم بذاته العلية، وهذا القسم بالذات العلية مراد به التقديس، لأنه بالله المعبود بحق، ولأنه متضمن الاستدلال بما تدل عليه السماء والأرض من بينات على وجود الله تعالى، وعلى صدق محمد –عليه الصلاة والسلام-.
٥- ثم إذا رجعنا إلى الأقسام القرآنية وأجوبتها، وجدنا ملاءمة بينهما، وأدركنا أن المناسبة قوية بين القسم والمقسم به، وهذا يعزز أنها أقسام استدلالية، من ذلك مثلا :
(٢) - سورة الذاريات : الآيات /٢٠، ٢١، ٢٢، ٢٣.