أقسم جل شأنه بالقرآن الحكيم، المعجز في نظمه، وبديع معانيه، المتقن في تشريعه وأحكامه، الذي بلغ أعلى طبقات البلاغة، على أن محمدا –صلى الله عليه وسلم- رسول من المرسلين، والتأكيد بالقسم لشدة إنكارهم لرسالته. ومن المعلوم أن القرآن معجزة من معجزات رسولنا - ﷺ - وتحدى العرب أن يأتوا بحديث مثله، أو بعشر سور من مثله مفتريات، أو بسورة من مثله، فلم يستطيعوا، فإقسام الله بالقرآن على صحة الرسالة، إقسام بالمعجزة التي تؤيد تلك الرسالة، والدليل الذي يثبتها، كأنه قال : إنك من المرسلين بدليل القرآن الحكيم، فأخرج الدليل مخرج اليمين، لأن المتكلم - كما قا ل الفخر الرازي - :( إذا شرع في أول كلامه يحلف، يعلم السامع أنه يريد أن يتكلم بكلام عظيم، فيصغي إليه ) (١) تمام الإصغاء، ويقبل على سماعه كل الإقبال، ثم إن في القسم بالمعجزة تذكيرا بها، وتبكيتا للمعاند على الإغضاء عنها، ولا أدل على هذا التوجيه من أن الله - جل شأنه - عودنا في كتابه العزيز، تصريف الآيات والبراهين، التي يسوقها دلائل على أصول الإيمان، فتارة يذكرها على سبيل الآية والعبرة، وتارة يذكرها كأنها خبر من الأخبار، وأحيانا يذكرها بأسلوب القسم.
ومنه قوله تعالى :- ( والسماء ذات الحبك. إنكم لفي قول مختلف. ) (٢) إذ نجد فيه تلاؤم جواب القسم ( إنكم لفي قول مختلف ) مع هذا الوصف الذي وصفت به السماء ( ذات الحبك )، فالحبك : هي الطرائق، ولما كان هذا الوصف مشعرا بالتشعب والإختلاف..
(٢) - سورة الذاريات : الآيتان / ٧، ٨.