قال المفسرون (١) :- أراد بالتين والزيتون : المكان الذي كثر شجرها فيه، على سبيل التجوز، عبر بالحال وهو التين والزيتون، وأراد المحل، وهو الأرض المقدسة، التي ظهر فيها عيسى –عليه السلام-. وقالوا : إن هذا المعنى هو الذي يتناسب مع طور سينين، ومع البلد الأمين، والتعبير بالحال عن المحل مألوف في الكلام العربي، قال تعالى :(وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) (٢)، أي : ففي جنته التي تحل فيها الرحمة.
وعلى هذا يكون الله قد أقسم على خلق الإنسان وتعذيبه وإثابته بأمكنة ثلاثة، هي مظاهر أنبيائه ورسله أصحاب الشرائع العظام المعروفة، أقسم بأرض بيت المقدس مظهر رسوله وكلمته وروحه –عيسى بن مريم- وفيها نزل الإنجيل عليه، ثم أقسم بالجبل الذي كلم الله موسى عليه تكليما، وناداه من جانب الطور الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة التي فيه، أن اذهب إلى فرعون إنه طغى، ثم أقسم بالبلد الأمين مظهر خاتم الأنبياء والمرسلين، فتدرج من التين والزيتون، إلى طور سينين، إلى بلد الله الأمين، فختم بموطن الرسالة الخاتمة، أشرف الرسالات. (٣)
أقسم بهذه الأمكنة الثلاثة التي هي مهبط الوحي والرسالة، على أن ما سيلاقيه من ثواب أو عقاب، إنما هو نتيجة إيمانه، أو كفره وطغيانه، بعد أن أرسل رسلا مبشرين ومنذرين.
وكأنه جل شأنه يقول :( هأنذا قد أرسلت لكم الرسل، فأناروا لكم الطريق، وميزوا لكم الرشد من الغي، فإن عصيتم فلكم أسفل سافلين، وإن أطعتم فلكم أجر غير ممنون ) (٤)
(٢) - سورة آل عمران : آية /١٠٧.
(٣) - انظر : د. فاضل السامرائي : التعبير القرآني، ص ٢٩٩-٣٠٩.
(٤) - ابن قيم الجوزية : التبيان في أقسام القرآن، ( مرجع سابق ) ص٤٣-٥٤.