ويمكننا القول : إن الله تعالى أقسم بالشمس، والقمر، والنجوم، والليل، والنهار، والبحر، والعصر، والسحاب، والنفس، والملائكة، وغيرها من المخلوقات، وكلها آيات دالة على قدرته، ووحدانيته، وكماله، وقد ذكرها في مواضع مختلفة من كتابه بغير أسلوب القسم.
المبحث السابع
بلاغة القسم القرآني :
بعد هذا الإيجاز يجدر بنا أن نتعرف على ما في أسلوب القسم من وجوه البلاغة، لتكتمل النظرة، وتتم الفكرة.
١- يمتاز أسلوب القسم بإيجازه، ولهذا يهجم على السامع، فيمتلك مشاعره، ولعل العرب أكثروا منه، وأفتتنوا فيه لوجازته، وهم إلى الإيجاز أميل في شعرهم ونثرهم، ومن هنا راجت الأمثال بينهم وشاعت، وذاعت الحكم والتوقيعات فيما بعد العصر الجاهلي، وتسابقوا إلى تجديدها، والاحتفاظ بها.
٢- القسم ضرب من الأسلوب الإنشائي، لا مناص للخصم من الإقرار به، ولا وجه له في إنكاره، فإن شاء أن ينكر، انصب إنكاره على جواب القسم، لا على القسم نفسه، لأن الجواب خبر (١) لا إنشاء (٢).
وقد يجمع القرآن الكريم بين القسم والوصف، كالقسم بالقرآن المجيد واليوم الموعود، والصافات صفا، ففي هذا وأشباهه قسم، ووصف للمقسم به، ليكون الاستدلال أعظم في النفس وأوقع.

(١) - الخبر : هو ما احتمل الصدق والكذب لذاته، أي : لذات الخبر نفسه. وهذا بالطبع يخرج ما كان صادقا قطعا، وما كان كاذبا قطعا. انظر : فضل حسن عباس : البلاغة فنونها وأفنانها، مبحث الخبر، ص٩٩ وما بعدها.
(٢) - الإنشاء : ما لا يحتمل صدقا ولا كذبا. وهو قسمان : طلبي، وغير طلبي. انظر : فضل حسن عباس : البلاغة فنونها وأفنانها، ( مرجع سابق ) مبحث الإنشاء، ص١٤٧ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon