٣- قد يحذف جواب القسم في القرآن، وهو المقسم عليه، فينتقل بعد القسم إلى كلام آخر، لكنه مرتبط بالجواب المحذوف. والسر في هذا أنه يسد على المخاطب المنكر طريق الفرار، فلا ينتقل من القسم وهو إنشاء، إلى الجواب وهو خبر، لئلا يجاري المنكر في الجواب، ثم ليكون القسم كالتمهيد والتنبيه، فيسترعي سمع المخاطب، فيرهف أذنيه ليستمع ما بعد القسم، فإذا به يسمع ما يؤيد الاستدلال المقصود من القسم نفسه، كقوله تعالى :(ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) (١)، فأقسم بحرف من حروف الهجاء التي يتكون منها القرآن، على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز، وأتبعه بالقسم بالقرآن، وحذف الجواب لدلالة التحدي عليه، كأنه قال: والقرآن ذي الذكر إنه كلام معجز، ولكن الكفار استكبروا ولم يذعنوا إليه، فعارضوا الرسول وكذبوه.
أو كأنه قال : أقسم بالقرآن ذي الشرف العظيم، إنك لصادق فيما تبلغ عن ربك، ولكن الكفار استكبروا ولم يذعنوا للحق، وأصروا على العناد. أو أقسم بالقرآن أن الأمر ليس كما يزعم هؤلاء الكفار، بل هم في استكبار ومخالفة، وعداوة لمحمد.
٤- إن من مزايا القسم أنه يسهل الجمع بين عدة أدلة في جملة واحدة، أو في جمل متلاحقة، كما في سور: التين، والبلد، والطور، والشمس، والليل، والفجر، مع الإيجاز، ولو أن الأدلة فصلت وبسط فيها القول، لفقد الكلام روعته وتأثيره.
٥- يشرك القسم الإستدلالي السامع في استنباط الدليل، ويخفف من عناده وخصامه، فيشعر أنه تعرف وتأمل، ولهذا كانت الأساليب الإنشائية كلها أكثر اجتذابا من الأساليب الخبرية. وهذا هو السبب في أن الحاذق اللبق ينوع أساليبه، ويراوح بين الإنشاء والخبر، لينشط المخاطب، ويشركه في الفهم، والبحث، والاستنباط، حتى ليتوهم أنه هو الذي اهتدى إلى الحق بنفسه.