٦- ومن ضروب بلاغة القسم أنه تقديم لتوثيق الصدق قبل ذكر الدعوى، لأنه يقرع أذني المخاطب، فيصغي ويترقب ما بعده، ثم تجيء الدعوى فيسهل قياده لها، ولكنه إذا فوجئ بالدعوى التي ينكرها، انصرف عنها ونفر منها. وشتان ما بين قولك :(ما أنت بنعمة ربك بمجنون. أقسم بالقلم وما يسطرون)، وقوله تعالى :(ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) (١)
فسبحان من نفى عن رسوله - ﷺ - التهمة قبل حكايتها.
الخاتمة
ظهرت لي من خلال دراستي الموجزة لأسلوب القسم الظاهر في القرآن الكريم، بعض النتائج، يمكن تلخيصها في النقاط التالية :-
١-لجأ القرآن الكريم إلى القسم جريا على عادة العرب في توكيد الأخبار، لتستقر في النفس، ويتزعزع فيها ما يخالفها، وإذا كان القسم لا ينجح احيانا في حمل المخاطب على التصديق، فإنه كثيرا ما يوهن في النفس الفكرة المخالفة، ويدفع إلى الشك فيها، ويبعث المرء على التفكير الجاد والقوي فيما ورد القسم من أجله (٢).
٢ - أقسم الله بجميع مخلوقاته، شاهدها ومشهودها، ما نبصره وما لا نبصره. على وجوده ووحدانيته، وقدرته، ووقوع البعث، وصدق النبي –صلى الله عليه وسلم-، ولينبهنا على ما فيها من روعة، تدفع إلى التفكير في خالقها.
٣- إن القسم بالله تعالى مقصود به التقديس، لأنه الخالق الذي يستوجب التقديس والعبادة، وما عدا ذلك فالتقديس والتشريف غير لازمين للقسم، وإن كان المقسم به عظيما في ذاته، وعظيما عند خالقه.
٤ - صوغ الدليل في صورة القسم، فيه توكيد للمقسم عليه، وتنبيه للسامع إليه، وتمهيد له بما يقرره في الذهن.

(١) - سورة القلم : الآيتان /١، ٢.
(٢) - انظر : أحمد أحمد بدوي : من بلاغة القرآن، ص ١٧٠.


الصفحة التالية
Icon