وكذلك عندما نتأمل قوله تعالى :" ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها" (١)، فإن المدعو – وهو الله تعالى – مسمى واحد ولكن لما كانت أسماؤه الحسنى متعددة وكان لازم كل اسم من أسمائه أن يدل على الذات المسماة ويدل على الصفة المتضمنة، كان دعاء العبد ربه باسمه العليم أو القدير أو السميع سائغاً، فكلٌ من هذه الأسماء يدل على ذات الله عز وجل ويدل – باللزوم – على معنى زائد لا يدل عليه الاسم الآخر؛ فاسم العليم يدل على الله وعلى معنى آخر هو العلم، واسم القدير يدل على ذات الله وعلى معنى غير الذي دل عليه اسم العليم ألا وهو معنى أو صفة القدرة، وهكذا. وهنا يقول ابن تيمية :" فإذا كان مقصود السائل تعيين المسمى عبرنا عنه بأي اسم كان إذا عُرف مسمى هذا الاسم"(٢)، ثم يقول :"إذا عُرف هذا، فالسلف كثيراً ما يعبرون عن المسمى بعبارة تدل على عينه وإن كان فيها من الصفة ما ليس في الاسم الآخر، كمن يقول : أحمد هو الحاشر والماحي والعاقب، والقدوس هو الغفور والرحيم، أي أن المسمى واحد لا أن هذه الصفة هي هذه الصفة"(٣)
فإذا رجعنا إلى المثال الثاني من أمثلة الاختلاف التي أوردناها سابقاً حيث تعددت الآثار في تفسير " الصراط المستقيم" فقال بعضهم هو الإسلام وقال بعضهم هو القرآن الكريم، فهذان القولان وإن كان ظاهرهما الاختلاف والتعارض ألا إنهما في الحقيقة متفقان؛ لأن دين الإسلام واتباع القرآن شيء واحد، وإنما نبه كل منهما على وصف غير الوصف الآخر مع اتفاق المسمى وهو هنا " الصراط المستقيم"، قال ابن تيمية :" وكذلك قول من قال : هو – أي الصراط المستقيم – السنة والجماعة وقول من قال هو طريق العبودية وقول من قال هو طاعة الله ورسوله ﷺ وأمثال ذلك كلهم أشاروا إلى ذات واحدة لكن وصفها كل منهم بصفة من صفاتها"(٤)
(٢) مجموع الفتاوى – ١٧٩/١٣
(٣) المرجع السابق
(٤) المرجع السابق