وهكذا نكون قد استعرضنا ثلاثة أصناف من الاختلاف في التفسير الذي مستنده النقل، وأنت ترى أن مآل هذه الاختلافات في الغالب إلى التنوع لا إلى التضاد أو التعارض، وهذه هي السمة العامة لتفسير السلف لا سيما الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين فالاختلاف الحقيقي في التفسير قليل عندهم عند النظر والتحقيق، قال ابن تيمية رحمه الله:" الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد"(١)، قلت: ولا غرابة في ذلك لأن الأحكام المختَلف فيها مسلكها الاجتهاد فيتصور وقوع الاختلاف في الفهم والاستنباط، أما التفسير فمعلوم مدى تورع السلف عن القول فيه بالرأي وإنما هو القول بالمأثور أو التعبير حسب أصول اللغة وهذان لا يمكن أن يؤديا إلى تناقض أو تعارض حقيقي في الغالب كما رأينا.
المطلب الثاني : الاختلاف الواقع في التفسير بالرأي :
إن وقوع الاختلاف في هذا النوع من التفسير أمر مستفيض، ولقد قدمت نموذجين لذلك آنفاً، وسأحاول ها هنا استعراض الأسباب المؤدية إلى وقوع هذا النوع، وهو الذي أشار إليه شيخ الإسلام حيث قال :" وأما النوع الثاني من مستندي الاختلاف وهو ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل" (٢)، وهذا الاستدلال يقوم على الاجتهاد والتفكر والاستنباط ويكون مظهر الاختلاف ها هنا هو توصل المفسرين إلى آراء متباينة في معاني ودلالات النصوص القرآنية، ويمكن رد معظم الأخطاء الاجتهادية المفضية إلى هذا الاختلاف إلى جهتين اثنتين كما سأبين فيما يلي:
الصنف الأول : اعتقاد معنى ما وحمل ألفاظ القرآن الكريم عليه:

(١) مجموع الفتاوى – ١٧٨/١٣
(٢) مجموع الفتاوى – ١٩٠/١٣


الصفحة التالية
Icon