إن فريقاً من الذين عمدوا إلى آيات القرآن الكريم يفسرونها باجتهاداتهم قد أسرتهم اعتقادات ومعان فسلطوها على ألفاظ القرآن الكريم مراعاةً لما اعتقدوه ولم ينظروا إلى ما تستحقه الألفاظ القرآنية من الدلالة والبيان. وإن لازم اتباع هذا المنهج تعددُ التفاسير بتعدد الاعتقادات والأهواء والمذاهب الفاسدة، وإذا عُلم هذا لم يعد للتعجب من اختلاف التفاسير بالرأي مكان، بل كان محل العجب فيما لو اتفقت هذه التفاسير الهوائية في شيئ البتة! قال الشيخ الزرقاني رحمه الله في سياق كلامه على التفسير بالرأي المذموم :" ومنها - أي الأمور التي يجب البعد عنها في التفسير بالرأي – حمل كلام الله على المذاهب الفاسدة "(١)، وقال شيخ الإسلام رحمه الله :" والمقصود أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأياً ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين لا في رأيهم ولا في تفسيرهم.."(٢)، وإذا أمعنّا النظر في هؤلاء وجدنا أن هذا الصنف من الاختلاف في التفسير ملازمٌ للبدع والأهواء؛ فما من فرقة مبتدعة أو صاحبة هوى إلا وحاولت ليَّ أعناق آيات القرآن الكريم إما لتستدل زوراً على صحة مذهبها، أو لتدفع - تلبيساً منها - ظواهر الآيات التي تنقض أصول بدعتهم. وبناء عليه فإن الاختلاف في التفسير عند هؤلاء ناجم عن أمرين بيَّنهما ابن تيمية رحمه الله(٣) وهما:
(٢) مجموع الفتاوى – ١٩٢/١٣
(٣) راجع مجموع الفتاوى – ١٩٠- ١٩٢ / ١٣