تحميل اللفظ القرآني ما لا يدل عليه ولا يراد منه من معاني: وهذا أقبح من سابقه، فإن أصحاب الصنف السابق قد جرّدوا اللفظ القرآني مما يدل عليه وحاولوا أن يتأولوا له معنى قد يكون مستساغاً لغةً بوجهٍ من الوجوه مهما كان متعسفاً، أما أصحاب هذا الصنف فلم يكتفوا بذلك بل تجرأوا على إثبات معانٍ للفظ القرآني لا يدل عليها ولا يمكن أن يدل عليها لا من قريب ولا من بعيد، ولعل أوضح مثال على هذا النوع من الاختلاف ما زعم الباطنية من أنه تفسير لبعض ألفاظ القرآن الكريم ذات الدلالة الظاهرة المحكمة في الأصل، فهم يقولون :" إن (الكعبة) هي النبي صلى الله عليه وسلم، و(الباب) علي، و(الصفا) هو النبي صلى الله عليه وسلم، و(المروة) علي، و(نار إبراهيم) هي غضب النمرود عليه، و(عصا موسى) هي حجته"(١)، وتأمل تفسير قوله تعالى:" إذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين"(٢) يقولون:" وقد قصد الرحمن من ذكر يوسف نفس الرسول وثمرة البتول حسين بن علي بن أبي طالب مشهوداً.. إذ قال حسين لأبيه يؤماً إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم بالإحاطة على الحق لله القديم سُجداً وأن الله قد أراد بالشمس فاطمة وبالقمر محمداً وبالنجوم أئمة الحق في أم الكتاب.."(٣)، قلت: إن مثل هذا الكلام الرخيص لا ينتج إلا عن مثل تلك العقول الفارغة والقلوب العفنة، حيث سوغت لأصحابها أنفسهم المقيتة الاجتراء على كلام الله عز وجل بمثل هذه التأويلات التي يسمونها تفسيراً أو علم الباطن كما يزعمون، لأن " الباطنية قوم رفضوا الأخذ بظاهر القرآن وقالوا: للقرآن ظاهر وباطن والمراد منه باطنه دون ظاهره، ويستدلون بقوله تعالى:" فضُرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَله العذاب"(٤)"(٥)
(٢) سورة يوسف - ٤
(٣) مناهج المفسرين – حسن عبيدو، والمنقول من مفتاح الأبواب
(٤) سورة الحديد - ١٣
(٥) مناهل العرفان – ٧٠/٢