وإذا عرف ذلك، أصبح سهلاً علينا أن نعلن ثقتنا بأن كتاب الله عز وجل محكمٌ مترابطٌ لا ينقض بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً، وإدراك هذا الأمر سهلٌ يسير على من اتبع منهج التفسير الصحيح سواء أكان نقلاً أثرياً صحيحاً أم اجتهاداً عقلياً صريحاً، وصدق الله تعالى إذ يقول :" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً"(١)، وعلى هذا كانت وصية رسول الله ﷺ فقد روى الإمام أحمد بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من صحابة رسول الله ﷺ جلوسٌ عند باب من أبوابه فكرهنا أن نفرق بينهم فجلسنا حَجرة إذ ذكروا آيةً من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله ﷺ مغضباً قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول مهلاً يا قوم بهذا أُهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً بل يصدق بعضه بعضاً فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم به فردوه إلى عالمه"(٢)، فمن الواضح في هذا الحديث أن مرد الاختلاف المذموم هو القول على الله تعالى بلا علم، وقد جاء النهي عن ذلك في قوله تعالى:" وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"(٣)، ويمكن تحديد منهج تفسير كتاب الله وفق هذا الحديث برد ما لا نعلم من تفسير كتاب الله إلى من يعلم؛ فإن كان مما للعلماء إليه سبيل رددناه إليهم وإن كان مما استاثر الله تعالى بعلمه توقفنا، وبهذا نسلم من التهجم على مراد الله تعالى ويسلم القرآن من نسبة التعارض إليه زرواً وبهتاناً.
الخاتمة:
(٢) مسند الإمام أحمد – المكثرين من الصحابة - ٦٤١٥
(٣) سورة الأعراف - ٣٣