قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير الآية : استوى بمعنى : علا(١)، اهـ. ولكن لا يكيفون هذه المعاني، كما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى:" الرحمن على العرش استوى" كيف استوى ؟ قال : الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ المبين وعلينا التصديق.(٢) أما أهل التعطيل – كالجهمية والمعتزلة ومن نحا نحوهما – فقد فسروا هذا الاستواء بالاستيلاء وصرفوه عن معناه اللغوي الحقيقي، فيقولون: معنى "استوى على العرش " أي استولى عليه. (٣) فهنا وقع اختلاف في التفسير كما هو واضح.
ومثال آخر في قوله تعالى :" وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة"(٤) اختلف في تفسيرها، فقال ابن كثير في قوله تعالى:"إلى ربها ناظرة" أي : تراه عياناً كما رواه البخاري في صحيحه :" إنكم سترون ربكم عياناً"، ثم ذكر إجماع السلف من الصحابة والتابعين على هذا المعنى(٥)، في حين يفسر المعتزلة النظر إلى الله – كما هو ظاهر النص – بالرجاء والتوقع للنعمة والكرامة (٦)، فهذا اختلاف في تفسير هذه الآية مرده إلى التفسير بالرأي عند أحد الفريقين.
فهذه أربعة نماذج من الاختلاف في التفسير، تبين وتؤكد لنا أن هذا الاختلاف حقيقةٌ لا مرية فيها، ولا شك أن مثل هذا الاختلاف قد يوهم البعض بوجود التناقض الذي قد يزعزع الثقة بكثير من التفسير، ولقد حان الأوان لأن نحاول سبر أسباب هذا الاختلاف بغية الوقوف على حقيقته؛ أهو اختلاف تنوع غير متعارض أم اختلاف تعارض يناقض بعضه بعضاً؟ وما تأثير ذلك كله على فهمنا وثقتنا بكتاب الله عز وجل؟ هذا ما نحاول الإجابة عليه في المبحث التالي إن شاء الله.

(١) شرح العقيدة الواسطية – ابن عثيمين- ٣١٧
(٢) مجموع الفتاوى – ابن تيمية – ٢٨/٥
(٣) شرح العقيدة الواسطية – ابن عثيمين- ٣١٨
(٤) سورة القيامة – ٢٢-٢٣
(٥) تفسير القرآن العظيم – ابن كثير – ٣٦٣-٣٦٤/٨
(٦) مناهج المفسرين – حسن عبيدو - ١٥٦


الصفحة التالية
Icon