ومن هنا ترى أن الشيخ بن عاشور يرى أن من التزم بالمأثور فإنه لا يكون له رأي كالطبري. وأنّ من لم يلتزم بالمأثور فلله دره! كما قال.
وقد سبق أن ذكرت لك أن الصحابة والتابعين ومن بعدهم اعتمدوا التفسير بالرأي وقالوا به، وإن من الأخطاء التي وقعت مقابلة أقوالهم التي هي من قبيل الرأي بأقوال أبي عبيدة والفراء وغيرهم، بل الأعجب من ذلك أن تفاسيرهم اللغوية تجعل من المأثور وتُقابل بتفاسير أبي عبيدة والفراء والزجاج اللغوية، وتجعل هذه لغوية.
كل هذه النتائج حصلت لعدم دقة مصطلح التفسير بالمأثور.
ما هو التفسير بالمأثور:
بعد هذا العرض، وتجلية مصطلح التفسير بالمأثور المعتمد في كتب بعض المعاصرين يتجه سؤال، وهو: هل يوجد تفسير يسمى مأثوراً؟
والجواب عن هذا (نعم)، ولكن لا يرتبط بحكم من حيث وجوب الاتباع وعدمه، بل له حكم غير هذا.
فالمأثور هو ما أثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته وعن التابعين وعن تابعيهم ممن عُرفوا بالتفسير، وكانت لهم آراء مستقلة مبنية على اجتهادهم.
وعلى هذا درج من ألف في التفسير المأثور؛ كبقي بن مخلد، وابن أبي حاتم والحاكم، وغيرهم.
وقد حاول السيوطي جمع المأثور في كتابه (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) وذكر الروايات الواردة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته وتابعيهم وتابعي تابعيهم ومن بعدهم.
وهذا لا يبنى عليه حكم من حيث القبول والرد، ولكن يقال: إن هذه الطرق هي أحسن طرق التفسير، وإن من شروط المفسر معرفة هذه الطرق.
أما ما يجب اتباعه والأخذ به في التفسير فيمكن تقسيمه إلى أربعة أنواع:
الأول: ما صح من تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الثاني: ما صح مما روي عن الصحابة مما له حكم المرفوع كأسباب النزول والغيبيات.
الثالث: ما أجمع عليه الصحابة أو التابعون ؛ لأن إجماعهم حجة يجب الأخذ به.