هو أبو الحسن، علىّ بن أبى طالب بن عبد المطلب، القرشى الهاشمى، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنته فاطمة، وذُرِّيته ﷺ منها. أُمه فاطمة بنت أسد بن هاشم. وهو أول هاشمى وُلِد من هاشميين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأول خليفة من بنى هاشم، وهو أول مَن أسلم من الأحداث وصدَّق برسول الله صلى الله عليه وسلم. هاجر إلى المدينة. وموقفة بن الهجرة مشهور، قيل: ونزل فيه قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾.. وقد شهد علىّ المشاهد كلها إلا تبوك، فإن رسول الله ﷺ خلَفه على أهله، وله فى الجميع بلاء عظيم ومواقف مشهورة، وقد أعطاه الرسول ﷺ اللواء فى مواطن كثيرة، وقال يوم خيبر: "لأعطيَّن الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يُحب الله ورسوله، ويُحبه الله ورسوله"، ثم أعطاها لعلىّ رضى الله عنه، وآخاه رسول الله ﷺ لَّما آخى بين أصحابه وقال له: "أنت أخى فى الدنيا والآخرة" وهو أحد العشرة المبشَّرين بالجنة، اجتمع فيه من الفضائل ما لم يحظ به غيره، فمن ورع فى الدين، إلى زهد فى الدنيا، إلى قرابة وصهر برسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى علم جم وفضل غزير، وقد توفى رحمه الله فى رمضان سنة أربعين من الهجرة، مقتولاً بيد عبد الرحمن بن ملجم الخارجى، وعمره ثلاث وستون سنة، وقيل غير ذلك.
* *
* مبلغه من العلم:
كان رضى الله عنه بحراً فى العلم، وكان قوى الحُجَّة، سليم الاستنباط، أُوتِىَ الحظ الأوفر من الفصاحة والخطابة والشعر، وكان ذا عقل قضائى ناضج، وبصيرة نافذة إلى بواطن الأُمور، وكثيراص ما كان يرجع إليه الصحابة فى فهم ما خفى واستجلاء ما أشكل، وقد ولاه رسول الله ﷺ قضاء اليمن، ودعا له بقوله: "اللّهم ثبِّت لسيانه واهد قلبه"، فكان مُوفَّقاً ومُسدَّداً، فيصلاً فى المعضلات، حتى ضُرِب به المثل فقيل: "قضية ولا أبا حسن لها"، ولا عجب، فقد تربى فى بيت النبوة، وتغذَّى بلبان معارفها، وعَمَّته مشكاة أنوارها. روى علقمة عن ابن مسعود قال: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علىّ بن أبى طالب. وقيل لعطاء: أكان فى أصحاب محمد ألعم من علىّ؟ قال: لا، والله لا أعلمه، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إذا ثبت لنا الشء عن علىّ لم نعدل عنه إلى غيره".
والذى يرجع إلى أقضية علىّ رضى الله عنه وخطبه ووصاياه، يرى أنه قد وُهِبَ عقلاً ناضجاً، وبيصيرة نافذة، وحظاً وافراً من العلم وقوة البيان.
* *
* مكانته من التفسير:
جمع علىّ رضى الله عنه إلى مهارته فى القضاء والفتوى، علمه بكتاب الله، وفهمه لأسراره وخفى معانيه، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل، وقد رُوِى عن ابن عباس أنه قالك "ما أخذت من تفسير القرآن فعن علىّ بن أبى طالب".
وأخرج أبو نعيم فى الحلية عن علىّ رضى الله عنه أنه قال:"واللهِ ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيم نزلت، وأين نزلت، وإن ربى وهبَ لى قلباً عقولاً، ولساناً سئولاً".
وعن أبى الطفيل قال: "شهدتُ علياً يخطب وهو يقول: سلونى، فوالله لا تسألونى عن شئ إلا أخبرتكم، وسلونى عن كتاب الله، فواللهِ ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم فى سهل، أم فى جبل".
وأخرج أبو نعيم فى الحلية عن ابن مسعود قال: "إن القرآن أُنزل على سبعة أحرف، ما منها حرف، إلا وله ظهر وبطن، وإن علىّ بن أبى طالب عنده منه الظاهر والباطن"
وغير هذا كثير من الآثار التى تشهد له بأنه كان صدر المفسرين والمؤيَّد فيهم.
* *
*الرواية عن علىّ ومبلغها من الصحة:
كثرة الرواية فى التفسير عن علىّ رضى الله عنه، كثرة جاوزت الحد، الأمر الذى لفت أنظار العلماء النُقَّاد، وجعلهم يتتبعون الرواية عنه بالبحث والتحقيق، ليميزوا ما صح من غيره.
وما صح عن علىّ فى التفسير قليل بالنسبة لما وُضِع عليه، ويرجع ذلك إلى غُلاة الشيعة، الذين أسرفوا فى حبه فاختلفوا عليه ما هو برئ منه، إما ترويجاً لمذهبهم وتدعيماً له، وإما لظنهم الفاسد أن الإغراق فى نسبة الأقوال العلمية إليه يُعلى من قدره، ويرفع من شأنه العلمى. وأظن أن ما نُسب إلى علىّ من قوله: "لو شئتُ أن أُوْقِرَ سبعين بعيراً من تفسير أم القرآن لفعلت" لا أصل له، اللَّهم إلا فى أوهام الشيعة، الذين يغالون فى حبه، ويتجاوزون الحد فى مدحه. ثم هناك ناحية أخرى أغرت الوُضَّاع بالكذب عليه، تلك الناحية هى نسبته إلى بيت النبوة، ولا شك أن هذه الناحية، تُكسب الموضوع قبولاً، وتعطيه رواجاً وذيوعاً على ألسن الناس، والحق أن كثرة الوضع على علىّ رضى الله عنه أفسدت الكثير من علمه، ومن أجل ذلك لم يعتمد أصحاب الصحيح فيما يروونه عنه إلا على ما كان من طريق الإثبات من أهل بيته، أو من أصحاب ابن مسعود، كعبيدة السلمانى وشُريح، وغيرهما. وهذه أهم الطرق عن علىّ فى التفسير:


الصفحة التالية
Icon