ونحن ننقل عنه ملخصاً: كتاب الصافى فى تفسير القرآن يقرب من سبعين ألف بيت فرغ من تأليفه فى سنة ١٠٧٥ هـ ( خمس وسبعين بعد الألف من الهجرة). وكتاب الأصفى، منتخب منه، أحد وعشرين ألف بيت تقريباً. ثم عدَّد كتبه التى ألفها وهى كثيرة. وحكى السيد السعيد السيد نعمة الله الجزائرى التسترى قال: كان أستاذنا المحقق المولى محمد محسن الكاشانى صاحب مؤلفات وفيرة مما يقرب من مائتى كتاب ورسالة، وكان نشوه فى بلدة "قُم"، فسمع بقدوم السيد الأجَّل المحقق الإمام الهمام السيد ماجد البحرانى الصادقى إلى "شيراز"، فأراد الارتحال إليه لأخذ العلوم منه، فتردد والده فى الرخصة إليه، ثم بنوا الرخصة وعدمها على الاستخارة، فلما فتح القرآن جاءت الآية: ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ﴾... الآية، ثم بعده تفاءل بالديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين فجاءت الأبيات هكذا:
تغرب عن الأوطان فى طلب العلا * وسافِر ففى الأسفار خمس فوائد*
تفرج هم، واكتساب معيشة * وعلم، وآداب، وصحبة ماجد*
هذه ترجمة المؤلف وفيها ما يشهد للرجل بعلو كعبه بين أصحابه فى العلم، كما أن الأقوال التى قيلت عن عقيدته تكاد تكون مجمعة لى أنها عقيدة زائفة فاسدة، وإن كان صاحب روضات الجنَّات يحاول تبرئته من هذه التهمة ويقول إنها فرية بلا مرية.. أما أنا فلم ألاحظ عليه فى تفسيره أثراً للقول بوحدة الوجود، ولا ما يشهد بأنه يرى عدم خلود الكفار فى عذاب النار. ولم أر على تفسيره ذلك اللون الصوفى الفلسفى، ولعل الكتاب من أواخر مؤلفاته وبعد رجوعه عما نُسِب إليه واتُهِم به".
* *
* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
الصافى فى تفسير القرآن الكريم، كتاب فسَّر فيه صاحبه القرآن الكريم على وفق مبادئ الإمامية الإثنا عشرية. وهو تفسير وسط يقع فى جزئين كبيرين ومتناول لشرح الآيات القرآنية شرحاً مختصراً جداً ولا يطيل إلا إذا وجد فى الآية ما يمكن أن يأخذ منه شاهداً على مبدأ من مبادئه، أو دليلاً على عقيدة من عقائده، أو دفعاً يدفع به رأيا من آراء مخالفيه. كذلك يطيل عندما يعرض لشرح قصة من قصص القرآن، أو غزوة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. والكتاب يعتمد أولاً وقبل كل شئ على ما ورد من التفسير عن الأئمة وعلماء أهل البيت، شأنه فى هذا شأن كل كتب التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية، الذين يعتقدون أن أهل البيت هم أدرى الناس بأسرار القرآن وأعلمهم بمعانيه، والكتاب فى جملته يدل على مقدار تعصب صاحبه لمذهبه وغلوه فى تشيعه، فهو يجادل ويدافع عن مبادئ حزبه، ويطعن فى صاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرميهم بالنفاق والكفر.. إلى غير ذلك مما ستقف عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى. هذا وقد قدَّم ملا محسن الكاشى لتفسيره باثنتى عشرة مقدمة، أرى أنه لا داعى لذكرها جميعاً، ولكن حسبى وحسب القارئ أن أذكر أهم الآراء التى يقول بها المؤلف ويشرحها لنا فى هذه المقدمات، ثم أذكر طريقته التى سار عليها فى تفسيره كما أوضحها هو، ثم أعرض على القارئ بعد ذلك بعض مواقف المؤلف فى تفسيره، ومنها يتبين جلياً قيمة هذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه، ومسلكه الذى سلكه فى شرحه لكتاب الله تعالى بما يتفق مع مذهبه ويتمشى مع عقيدته، وإليك أهم هذه الآراء التى قالها المؤلف:
* آل البيت هم تراجمة القرآن، لأنهم جمعوا علمه كله دون مَن عداهم".
يرى المؤلف أن آل البيت هم تراجمة القرآن دون مَن عداهم، فهم الذين جمعوا علم القرآن كله وأحاطوا بمعانيه وأسراره، ووقفوا على رموزه وإشارته، ذلك لأنه القرآن نزل فى بيتهم - بيت النبوة - ورب البيت أدرى بما فيه، وهو فى هذه العقيدة لا يشذ وحده بل هو رأى هذه الطائفة كلها لا فرق بين معتدل ومتطرف. يرى المؤلف هذا الرأى ويصرِّح به فى مقدمة تفسيره فيقول: "... وإن العترة تراجمة القرآن فمَن الكشاف عن وجوه عرايس أسرار ودقائقه وهم خوطبوا به؟ ومَن لتبيان مشكلاته ولديه مجمع بيان معضلاته ومنبع بحر حقائقه وهم أبو حسنة؟ ومَن يشرح آيات الله وييسر تفسيرها بالرموز والصراح إلا مَن شرح الله صدره بنوره ومثَّله بالمشكاة والمصباح؟ ومَن عسى يبلغ علمهم بمعالم التنزيل والتأويل، وفى بيوتهم كان ينزل جبريل؟.. وهى البيوت التى أذن الله أن تُرفع، فمنهم يُؤخذ ومنهم يُسمع. إذن أهل ابيت بما فى البيت أدرى، والمخاطَبون بما خُوطبوا به أوعى، فأين نذهب عن بابهم وإلى مَن نصير.."


الصفحة التالية
Icon