( ٣- عرائس البيان فى حقائق القرأن (لأبى محمد الشيرازى) )
* التعريف بمؤلف هذا التفسير:
مؤلف هذا التفسير هو أبو محمد روزبهان بن أبى النصر، البقلى، الشيرازى الصوفى، المتوفى سنة ٦٦٦ هـ (ستة وستون وستمائة من الهجرة النبوية).
* *
* التعريف بهذا التفسير:
جرى مؤلف هذا التفسير على نمط واحد وهو التفسير الإشارى، ولم يتعرض للتفسير الظاهر بحال، وإن كان يعتقد أنه لا بد منه أولاً، يدل على ذلك قوله فى المقدمة: "ولما وجدتُ أن كلامه الأزلى لا نهاية له فى الظاهر والباطن، ولم يبلغ أحد إلى كماله وغاية معانيه، لأن تحت كل حرف من حروفه بحراً من بحار الأسرار، ونهراً من أنهار الأنوار، لأنه وصف القديم، وكمال لا نهاية لذاته ولا نهاية لصفاته.. قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾، وقال: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾، فتعرضتُ أن أغرف من هذه البحور الأزلية غرفات من حكم الأزليات، والإشارات والأبديات، التى تقتصر عنها أفهام العلماء وعقول الحكماء، اقتداءً بالأولياء، وأُسوة بالخلفاء، وسُنَّة للأصفياء، وصنَّفتُ فى حقائق القرآن، ولطائف البيان، وإشارة الرحمن فى القرآن، بألفاظ لطيفة وعبارات شريفة، وربما ذكرت تفسير آية لم يفسِّرها المشايخ، ثم أردفتُ بعد قولى أقوال مشايخى مما عباراتها ألطف، وإشاراتها أظرف ببركاتهم، وتركتُ كثيراً منها ليكون كتابى أخف محملاً وأحسن تفصيلاً، واستخرتُ الله تعالى فى ذلك، واستعنتُ به، ليكون موافقاً لمراده، ومواطئاً لسُنَّة رسوله وأصحابه وأولياء أُمَّته، وهو حسبى وحسب كل ضعيف.. وسميته بـ "عرائس البيان فى حقائق القرآن"... إلخ.
فأنت ترى من هذه المقدمة أن صاحبنا يعترف بالمعانى الظاهرة للقرآن، ويقرر أن ما ذكره فى كتابه ما هو إلا سوانح سنحت له من حقائق القرآن، وإشارات تجلَّت له من جانب الرحمن، كما ترى فيها وصفة لكتابه والمسلك الذى سلكه فيه، غير أنى ألحظ فى قوله: "واستعنتُ به لمراده، ومواطئاً لسُنَّة رسوله" أنه يريد أن يقرر أن كل ما فى كتابه من المعانى ليس إلا تفسيراً لكتاب الله وبياناً لمراده منه، وهذا هو ما لا نقره عليه، ولا نُسلِّمه له، لأن هذه المعانى الغريبة التى يأتى بها فى تفسيره لا يمكن أن تكون داخلة تحت مدلول اللَّفظ القرآنى، ولا يعقل أن تكون مرادة الله تعالى من خطابه لأفراد الأُمة، وحسبه أن نقره على أنها ذكر لنظير ما ورد به القرآن.
وإليك بعض ما جاء فى هذا التفسير:
فى سورة التوبة عند قوله تعالى فى الآية [٩١]: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ﴾.. يقول: "وصف الله زُمرة أهل المراقبات، ومجالس المحاضرات، والهائمين فى المشاهدات. والمستغرقين فى بحار الأزليات، الذين أنحلوا جسومهم بالمجاهدات، وأمرضوا نفوسهم بالرياضات، وأذابوا قلوبهم بدوام الذكر، وجولانها فى الفكر، وخرجوا بعقائدهم الصافية، عن الدنيا الفانية بمشاهدته الباقية، بأن رفع عنهم بفضله حَرَج الامتحان، وأبقاهم فى مجلس الأُنس ورياض الإيقان، وقال: ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ﴾ يعنى الذين أضعفهم حمل أوقار المحبة، ﴿وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى﴾ الذين أمرضهم مرارة الصبابات، ﴿وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ﴾ الذين يتجردون عن الأكوان بتجريد التوحيد وحقائق التفريد، ﴿حَرَجٌ﴾: عتاب من جهة العبودية والمجاهدة، لأنهم متقولون بسيف المحبة، مطروحون بباب الوصلة، ضعفهم من الشوق، ومرضهم من الحب، وفقرهم من حسن الرضا".