( مذهب ابن عربى فى تفسير القرآن الكريم )
يقوم مذهب ابن عربى فى التفسير غالباً على نظرية وحدة الوجود التى يدين بها، وعلى الفيوضات والوجدانيات التى تنهل عليه من سحائب الغيب الإلهى، وتنقذف فى قلبه من ناحية الإشراق الربانى.
أما من الناحية الأولى: ناحية التأثر بمذهب وحدة الوجود. فإنَّا نراه فى كثير من الأحيان يتعسف فى التأويل، ليجعل الآية تتمشى مع هذه النظرية. وهذا - فيما أعتقد - منهج كله شر فى التفسير، فهو يبدل فيما أراد الله من آياته، ويقسرها على أن تتضمن مذهبه، وتكون أسانيد له، وهذا ليس من شأن المفسِّر المنصف، الذى يبحث فى القرآن بحثاً مجرداً عن الهوى والعقيدة.
وأما من الناحية الثانية: ناحية الفيض الإلهى، فهو واسع الباع فيها، وقد مرَّت بك مقالته فى التفسير الإشارى، ورأيتَ كيف ادَّعى أن كل ما يجرى على لسان أهل الحقيقة من المعانى الإشارية فى القرآن هو فى الحقيقة تفسير وشرح لمراد الله، وإنما عبَّر عنها بالإشارة. تقيَّة من أهل الظاهر، ورأيتَ كيف ادَّعى أن أهل الله - وهم الصوفية - أحق الناس بشرح كتابه، لأنهم يتلقون علومهم عن الله، فهم يقولون فى القرآن على بصيرة، أما أهل الظاهر فيقولون بالظن والتخمين.
ثم هو لا يرى فرقاً بين القرآن نفسه، وبين تفسير أهل الله له، من ناحية أن كلا منهما حق ثابت، وصدق لا يعتريه شك، فإذا كان القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه من عند الله، فكذلك أقوال أهل الحقيقة فى التفسير، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، لأنها منزَّلة على قلوبهم من عند الله.
هذا.. وإن ابن عربى لم نظفر له بكتاب فى التفسير، ولكن نجد صاحب كشف الظنون يقول: إنه "صنَّف تفسيراً كبيراً على طريقة أهل التصوف فى مجلدات. قيل إنه فى ستين سِفْراً، وهو إلى سورة الكهف، وله تفسير صغير فى ثمانية أسفار على طريقة المفسِّرين"، وإذا كنا لم نظفر بهذين الكتابين، فإنَّا قد ظفرنا بما فيه بعض الكفاية عنهما، وهو تفسيره لبعض الآيات التى وجدناها متفرقة فى غضون مؤلفاته، كالفصوص، والفتوحات. إليك بعضاً منها لتكون على بصيرة، ولتطمئن إلى حكمى على الرجل فى شرحه لكتاب الله تعالى: