( التفسير الفقهى فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية )
ظل الأمر على هذا إلى عهد ظهور أئمة المذاهب - الأربعة وغيرها - وفيه جدَّت حوادث كثيرة للمسلمين لم يسبق لمن تقدمهم حكم عليها، لأنها لم تكن على عهدهم، فأخذ كل إمام ينظر إلى هذه الحوادث تحت ضوء القرآن والسُّنَّة، وغيرهما من مصادر التشريع، ثم يحكم عليها بالحكم الذى ينقدح فى ذهنه، ويعتقد أنه هو الحق الذى يقوم على الأدلة والبراهين، وكانوا يتفقون فيما يحكمون به أحياناً، وأحياناً يختلفون حسبما يتجه لكل منهم من الأدلة. غير أنهم مع كثرة اختلافهم فى الأحكام لم تظهر منهم بادرة للتعصب للمذهب، بل كانوا جميعاً ينشدون الحق ويطلبون الحكم الصحيح، وليس بعزيز على الواحد مهم أن يرجع إلى رأى مخالفه إن ظهر له أن الحق فى جانبه، فهذا هو الشافعى رضى الله عنه كان يقول. إذا صح الحديث فهو رأيى، وكان يقول: الناس عيال فى الفقه على أبى حنيفة، وكان يقول لأحمد بن حنبل وهو تلميذة فى الفقه: إذا صح الحديث عندك فأعلمنى به، وكان يقول: إذا ذُكِر الحديث فمالك النجم الثاقب... إلى غير ذلك مما يدل على انتشار روح التقدير والحب بين أُولئك الفقهاء، وهذه هى سُنَّة أسلافهم من الصحابة والتابعين.
* *