( من تأويلات الباطينة القدامى )
على هذه القاعدة السابقة جرى القوم فى شرحهم لكتاب الله تعالى، فكان من تأويلاتهم ما يأتى:
"الوضوء" عبارة عن موالاة الإمام، و "التيمم" هو الأخذ من المأذون عند غيبة الإمام الذى هو الحُجَّة، و "الصلاة" عبارة عن الناطق الذى هو الرسول بدليل قوله تعلاى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ﴾، و "الغُسْل" تجديد العهد ممن أفشى سراً من أسرارهم من غير قصد، وإفشاء السر عندهم على هذا النحو هو معنى "الاحتلام"، و "الزكاة" عبارة عن تزكية النفس بمعرفة ما هم عليه من الدين، و "الكعبة" النبى، و "الباب" علىّ، و "الصفا" هو النبى، و "المروة" علىّ، و "الميقات" الإيناس، و "التلبية" إجابة الدعوة، و "الطواف بالبيت سبعاً" موالاة الأئمة السبعة، و "الجنة" راحة الأبدان من التكاليف، و "النار" مشقتها بمزاولة التكاليف.
وتأوَّلوا أنهار الجنة فقالوا: ﴿وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ﴾ أى معادن العلم.. اللَّبن: العلم الباطن، يرتفع به أهلها، ويتغذون به تغذياً تدوم به حياتهم اللطيفة، فإن غذاء الروح اللطيفة بارتضاع العلم من المعلَّم، كما أن حياة الجسم الكثيف بارتضاع اللَّبن من ثدى الأم. و ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ﴾ هو العلم الظاهر. و ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾ هو علم الباطن المأخوذ من الحجج والأئمة.
كذلك تجد الباطنية يرفضون المعجزات، ولا يعترفون بها للرسل، وينكرون نزول ملائكة من السماء بالوحى من الله، بل وزادوا على ذلك فأنكروا أن يكون فى السماء مَلَك وفى الأرض شيطان، بل وزادوا على ذلك فأنكروا أن يكون فى السماء مَلَك وفى الأرض شيطان، وأنكروا آدم والدجّال، ويأجوج ومأجوج، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام آيات من القرآن تّكذِّب دعواهم هذه، فتخلصوا منها بمبدأهم الذى ساروا عليه فى تفسيرهم وهو إنكار الظاهر والأخذ بالباطن، وأوّلوا هذه الآيات بما يتفق ومذهبهم، فتأوّلوا "الملائكة" على دعاتهم الذين يدعون إلى بدعتهم. وتأوّلوا "الشياطين" على مخالفيهم. وتأوّلوا كل ما جاء فى القرآن من معجزات الأنبياء عليهم السلام، فقالوا: "الطوفان" معناه طوفان العلم.. أُغْرِق به المتمسكون بالسُنَّة. و "السفينة" حرزه الذى تحصن به من استجاب لدعوته. و "نار إبراهيم" عبارة عن غضب نمرود عليه لا النار الحقيقية. و "ذبح إسحاق" معناه أخذ العهد عليه. و "عصا موسى" حُجَّته التى تلقفت ما كانوا يأفكون من الشُبَه لا الخشب. و "انفلاق البحر" افتراق علم موسى فيهم عن أقسام. و "البحر" هو العلم. و "الغمام الذى أظلّهم" معناه الإمام الذى نصبه موسى لإرشادهم وإفاضة العلم عليهم. و "المن والسلوى" علم نزل من السماء لداع من الدعاء هو المراد بالسلوى. و "تسبيح الجبال" معناه تسبيح رجال شداد فى الدين راسخين فى اليقين. و "الجن الذين ملكهم سليمان بن داود" باطنية ذلك الزمان. و "الشياطين" هم الظاهرية الذين كُلِّفوا بالأعمال الشاقة. و "عيسى" له أب من حيث الظاهر، وإنما أراد بالأب المنفى: الإمام، إذ لم يكن له إمام، بل استفاد العلم من الله بغير واسطة، وزعموا - لعنهم الله - أن أباه يوسف النجار. و "كلامه فى المهد" إطلاعه فى مهد القالب قبل التخلص منه على ما يُطَّلِع عليه غيره بعد الوفاة والخلاص من القالب. و "إحياء الموتى من عيسى" معناه الإحياء بحياة العلم عن موت الجهل بالباطن. و "إبراؤه الأعمى" عن عمى الضلالة. و "الأبرص" عن برص الكفر ببصيرة الحق المبين. و "إبليس وآدم" عبارة عن أبى بكر وعلىّ، إذ أُمِرَ أبو بكر بالسجود لعلىّ والطاعة له فأبى واستكبر. و "الدجَّال" أبو بكر، وكان أعوراً، إذ لم يبصر إلا بعين الظاهر دون عين الباطن، و "يأجوج ومأجوج" هم أهل الظاهر.
بل بالغوا فقالوا: "إنَّ الأنبياء قوم أحبوا الزعامة، فساسوا العامة بالنواميس والحيل، طلباً للزعامة بدعوى النبوة والإمامة".
هذا... ومما زعمته الباطنية: أنّ مَن عرف معنى العبادة سقط عنه فرضها وتأوّلوا فى ذلك قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.. وحملوا اليقين على معرفة التأويل.



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
كذلك استحلّ الباطنية نكاح البنات والأخوات وجميع المحارم، بحُجّة أن الأخ أحق بأخته والأب أولى بابنته وهكذا، ولست أدرى على أى وجه تأوّلوا آية النساء التى حرَّمت ذلك، ومنعته منعاً باتاً!!