ولقد وصل الغلو ببعض الباطنية إلى ادعاء ألوهية محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وأنه هو الذى كلّم موسى بقوله: ﴿إِنِّي؟ أَنَاْ رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾، وفى هذا يروى لنا البغدادى صاحب "الفُرْق بين الفِرَق" قصة رجل دخل فى دعوة الباطنية، ثم وفقه الله لتركها والرجوع لرشده... يحكى هذا الرجل قصته للبغدادى فيقول: "إنهم لما وثقوا بإيمانه قالوا له: إن المسمين بالأنبياء كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وكل مَن ادّعى النبوة: كانوا أصحاب نواميس ومخاريق، أحبوا الزعامة على العامة، فخدعوهم بنيرنجات، واستعبدوهم بشرائعهم - قال الحاكى للبغدادى: ثم ناقض الذى كشف لى هذا السر بأن قال: ينبغى أن تعلم أنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر هو الذى نادى موسى بن عمران من الشجرة فقال له: ﴿إِنِّي؟ أَنَاْ رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾... ثم قال: فقلت: "سخنت عينك، تدعونى إلى الكفر برب قديم خالق للعالَم، ثم تدعونى مع ذلك إلى الإقرار بربوبية إنسان مخلوق، وتزعم أنه كان قبل ولادته إلَهاً مُرسِلاً لموسى؟ فإن كان موسى عندك كاذباً، فالذى زعمت أنه أرسله أكذب" فقال: إنك لا تفلح أبداً، وندم على إفشاء أسراره إلىَّ وتبت من بدعتهم".
فانظر إليهم - لعنهم الله - كيف يصرفون القرآن عن أن يكون الله هو المتكلم به، ويدَّعون أنه كلام إلَههم المزعوم محمد بن إسماعيل!!.. أليس هذا غلواً فى الإلحاد؟ وإغراقاً فى الكفر والعناد؟
وبني أيدينا كتاب "أسرار الباطنية"، وهو يكشف لنا عن نواياهم ويفضح أسرارهم وخباياهم، وهو لمحمد بن مالك اليمانى أحد علماء القرن الخامس الهجرى، ولا أريد أن أطيل على القارئ بذكر ما فيه من مخازى القوم، ولكن أكتفى بذكر نبذة من الكتاب. ضمّنها المصنف ما شهده بنفسه من ضلالهم وإضلالهم، وذلك حين اندس بينهم متظاهراً بدخوله فى زمرتهم، ليقف بنفسه على ما بلغه عنهم من أباطيل وأضاليل، وإنما اخترتُ هذه النبذة بالذات، لأنها تعطينا فكرة واضحة عن مقدار تلاعب الباطنية بكتاب الله تحت ستار التأويل، وعن مبلغ استهزائهم بعقول العامة الذين وقعوا فيما نصبوه لهم من الأحابيل!!


الصفحة التالية
Icon