لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، والزينة ههنا: ما خفى على الناس من أسرار النساء التى لا يطلع عليها إلا المخصوصون بذلك، وذلك قوله: ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ﴾، والزينة مستورة غير مشهورة، ثم يتلو عليه: ﴿وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾.. فمَن لم ينل الجنة فى الدنيا لم ينلها فى الآخرة، لأن الجنة مخصوص بها ذوو الألباب، وأهل العقول دون الجهال، لأن المستحسن من الأشياء ما خفى، ولذلك سميت الجنة جنة لأنها مستجنة، وسميت الجن جناً لاختفائهم عن الناس، والمجنة المقبرة لأنها تستر مَن فيها، والترس المجن لأنه يُستتر به،. فالجنة ههنا: ما استتر عن هذا الخلق المنكرس الذين لا علم لهم ولا عقول، فحينئذ يزداد هذا المخدوع انهماكاً، ويقول لذلك الداعى الملعون: تلطف فى حالى، وبلَّغنى إلى ما شوَّقتنى إليه، فيقول: ادفع النجوى اثنى عشر ديناراً تكون لك قرباناً وسلماً، فيمضى به فيقول: يا مولانا، إن عبدك فلاناً قد صحت سريرته، وصفت خبرته وهويريد أن تدخله الجنة، وتبلغه حد الأحكام، وتزوجه الحور العين، فيقول له: قد وثقته وأمنته؟ فيقول: يا مولانا، قد وثقته وأمنته وخبرته فوجدته على الحق صابراً، ولأنعمك شاكراً، فيقول: علمنا صعب مستصعب لا يحمله إلا نبى مرسل، أو مَلك مقرَّب، أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان، فإذا صح عندك حاله فاذهب به إلى زوجتك فاجمع بينه وبينها، فيقول: سمعاً وطاعة لله ولمولانا، فيمضى به إلى بيته، فيبيت مع زوجته، حتى إذا كان الصباح قرع عليهما الباب وقال: قوما قبل أن يعلم نبأنا هذا الخلق المنكوس، فيشكر ذلك المخدوع ويدعو له، فيقول له: ليس هذا من فضلى، هذا من فضل مولانا، فإذا خرج من عنده تسامع به أهل هذه الدعوة الملعونة، فلا يبقى منهم أحد إلا بات مع زوجته كما فعل ذلك الداعى الملعون، ثم يقول له: لا بد لك أن تشهد هذا المشهد الأعظم عند مولانا، فادفع قربانك، فيدفع اثنى عشر ديناراً ويصل به ويقول: يا مولانا، إنَّ عبدك فلاناً يريد أن يشهد المشهد الأعظم، وهذا قربانه، حتى إذا جن الليل، ودارت الكؤوس وحميت الرؤوس، وطابت النفوس، أحضر جميع أهل هذه الدعوة الملعونة حريمهم، فيدخلن عليهم من كل باب، وأطفأوا السراج والشموع، وأخذ كل واحد منهم ما وقع عليه فى يده، ثم يأمر المقتدى زوجته أن تفعل كفعل الداعى الملعون وجميع المستجيبين، فيشكره ذلك المخدوع على ما فعل له، فيقول له: ليس هذا من فضلى، هذا من فضل مولانا أمير المؤمنين فاشكروه ولا تكفروه على ما أطلق من وثاقكم، ووضع عنكم أوزاركم، وحطّ عنكم آصاركم، ووضع عنكم أثقالكم، وأحلّ لكم بعض الذى حرم عليكم جُهَّالكم: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
قال محمد بن مالك - رحمه الله تعالى - هذا ما اطلعتُ عليه من كفرهم وضلالتهم، والله تعالى لهم بالمرصاد، والله تعالى علىَّ شهيد بجميع ما ذكرته مما اطلعتُ عليه من فعلهم وكفرهم وجهلهم، والله يشهد علىَّ بجميع ما ذكرته عالِم به، ومَن تكلم عليهم بباطل فعليه لعنة الله، ولعنة اللاعنين، والملائكة والناس أجمعين، وأخزى الل مَن كذب عليهم، وأعدّ لهم جهنم وساءت مصيراً، ومَن حكى عنهم بغير ما هم عليه فهو يخرج من حَوّل الله وقُوّته إلى حَوّل الشيطان وقُوّته...".
وبعد.. ألستَ ترى معى أن تأويلهم للقرآن تأويل فاسد لا يقوم على أساس ولا يستند إلى برهان، وإنما هى أوهام وأباطيل، غروراً بها ضعاف العقول ليسلخوهم من الدين، وليدخلوهم فى زمرة الملحدين وحزب الشياطين؟ أعتقد ذلك، وأظن أن سؤالاً يدور بخلد القارئ هو: كيف نجزم بنسبة هذه التأويلات كلها إلى الباطنية مع وجود التناقض والاختلاف بين بعض المعانى التى نقلت عنهم للفظ الواحد؟ ألي هذا دليلاً على عدم صحة كل ما يُنسب إليهم؟ والحق أن السؤال وارد، ولكنه مدفوع بما ذكره الغزالى من أنّ "سر هذا الاضطراب راجع إلى أنهم كانوا لا يخاطبون الخلق بمسلك واحد، بل غرضهم الاستتباع والاحتيال، فلذلك تختلف كلمتهم ويتفاوت نقل المذهب عنهم".
* *