( الصلة بين عقائد البابية وعقائد الباطنية القدامى )
بالرغم من أن هذه الفرقة لم تظهر إلا قريباً، فإنَّا نجدها ليست بالفرقة المحدّثة فى عقائدها وتعاليمها، بل هى فى الحقيقة ونفس الأمر وليدة من ولائد الباطنية، تغذت من ديانات قديمة، وآراء فلسفية، ونزعات سياسية. ثم درجت تحذو حذو الباطنية الأُوَل، وتترسم خطاهم فى كل شىء، وتهذى فى كتاب الله، فتأوّلته بمثل ما تأوّلوه": لتصرف عنه قلوباً تعلقت به ونفوساً امطأنت إليه.
والذى يقرأ تاريخ الباطنية الأُوَل، ويَطَّلع على ما فى كتبهم من خرافات وأباطيل، ثم يقرأ تاريخ البابية والبهائية، ويَطَّلع على ما فى كتبهم من خرافات وأباطيل، لا يسعه إلا أن يحكم بأن روح الباطنية حلَّت فى جسم ميرزا علىّ، وميرزا حسين علىّ، فخرجت للناس أخيراً باسم البابية والبهائية.
تقوم دعوة قدما الباطنية على إبطال الشريعة الإسلامية، وينفذون إلى عقول العامة بإظهارهم الحب والتشيع، بل والانتساب إلى آل البيت، ثم يصلون إلى أهوائهم ومآربهم بصرفهم القرآن إلى معان باطنية لا يقبلها العقل، ولا تمت إلى الدين بسبب، وعلى هذا الأساس قامت دعوة البابية والبهائية، وبمثل هذه الوسيلة وصلوا إلى أغراضهم وأهوائهم، وإليك ما يوضح ذلك:
أولاً: فى الباطنية مَن يدّعى النبوة لنفسه أو يدّعيها لغيره، وميرزا علىّ الملقب بالباب يدَّعى أنه رسول للناس من قِبَل الله تعالى، وله كتاب اسمه "البيان" ادّعى أنه مُنَزَّل عليه من عند الله تعالى. وقد جاء فى رسالة بعث بها الباب إلى العلامة الألوسى صاحب التفسير المعروف يدعوه فيها إلى الإيمان به: "إننى أنا عبد الله، قد بعثنى بالهدى من عنده"، وسمى فى هذه الرسالة مذهبه دين الله فقال: "ومَن لم يدخل فى دين الله، مثله كمثل الذين لم يدخلوا فى الإسلام".
ولا نعلم ماذا أجاب به الألوسى على هذه الرسالة، وإن كنا نعلم رأيه فى هذه الطائفة عندما تعرّض لتفسير قوله تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَاكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، وذلك حيث يقول: "وقد ظهر فى هذا العصر عصابة من غلاة الشيعة لقبوا أنفسهم بالبابية، لهم فى هذا الباب فصول يحكم بكفر معتقدها كل من انتظم فى سلك ذوى العقول، وقد كاد يتمكن عرقهم من العراق لولا همة واليه النجيب الذى وقع على همته وديانته الاتفاق، حيث خذلهم - نصره الله - وشتت شملهم، وغضب عليهم - ضى الله تعالى عنه - وأفسد عملهم، فجزاه الله تعالى عن الإسلام خيراً، ودفع عنه فى الدارين ضيماً وضيراً".
وكذلك ادّعى زعيمهم الثانى الملقب ببهاء الله: أنه رسول من عند الله، وجاء لتأسيس الإسلام على الأرض، وبين أيدينا كتاب بهاء الله، ويطلق عليه اسم "الكتاب" قرأنا فيه فوجدناه يقول: "لعمر الله إن البهاء ما نطق عن الهوى، قد أنطقه الذى أنطق الأشياء بذكره وثنائه، لا إلَه إلا هو الفرد الواحد المقتدر المختار".
"لعمرى ما أظهرتُ نفسى، بل الله أظهرنى كيف أراد، إنى كنت كأحد من العباد، وراقداً على المهاد، مرت علىنسائم السبحان، وعلّمنى علم ما كان. ليس هذا من عندى بل من لدن عزيز عليم، وأمرنى بالنداء بين الأرض والسماء، بذلك ورد على ما ذرفت به جموع العارفين، ما قرأت ما عند الناس من العم، وما دخلت المدارس، فاسأل المدينة التى كنت فيها لتوقن بأنى لست من الكاذبين".
"قل قد أتى لمختار، فى ظل الأنوار، ليحيى الأكوان، من نفحمات اسمه الرحمن، ويتحد العالَم، ويجتمعوا على هذه المائدة التى نزلت من السماء".
ويرى الباب أن شريعته ناسخة للشريعة الإسلامية، فابتدع لأتباعه أحكاماً خالف بها ما جاءت به الشريعة الإسلامية، فجعل الصوم تسعة عشر يوماً من شروق الشمس إلى غروبها، وعيَّن لهذه الأيام وقت الاعتدال الربيعى، بحيث يكون عيد الفطر عندهم يوم "النيروز" على الدوام، وفى كتاب "البيان":
"... أيام معدودات. وقد جعلنا النيروز عيداً لكم بعد إكمالها".
كذلك يرى بهاء الله أن شريعته ناسخة للشريعة الإسلامية، ويقرر ذلك فى كتابه فيقول: "لو كان القديم هو المختار عندكم، لما تركتم ما شرع فى الإنجيل، بينوا يا قوم.. لعمرى ليس لكم اليوم من محيص. إن كان هذا جرمى فقد سبقنى فى ذلك محمد رسول الله، ومن قبله الروح، ومن قبله الكليم. وإن كان هذا ذنبى إعلاء كلمة الله وإظهار أمره، فأنا أول المذنبين. لا أبدل هذا الدين بملكوت السموات والأرضين".