وقرر البهاء أن الدين قسمان: عملى وروحانى، فالقسم الروحانى - وهو مظاهر الألوهية والنبوة - غير قابل للتبديل. والقسم العملى - وهو المتعلق بالصور والأشكال الخارجية - قابل للتغيير، وعلى هذا المبدأ جعل لأتباعه الصلاة تسع ركعات فى اليوم والليلة، وجعل قِبْلَتهم فى الصلاة أين يكون هو!! وفى هذا يقول: "إذا أردتم الصلاة فوَّلوا وجوهَكم شطرى الأقدس".
وسوَّى بين الرجل والمرأة فى الحقوق الشرعية والسياسية، وقرر عقوبات مالية للزنا والسرقة وغيرهما، ومنع التسرى، وحرَّم الزواج بأكثر من واحدة، وقيّد لهم الطلاق وصعَّبه، وحُجَّته فى هذا كله: أن جميع الأديان أضحت لا تصلح لإصلاح العالَم، قلا بد من دين جديد يوافق هذا العصر.. عصر التقدم المادى العظيم. وهذا الدين الذى جاء به هو الذى يصلح فى نظره لمسايرة هذا العصر دون غيره.
ثانياً: منع الحسن بن الصباح وغيره من زعماء الباطنية، العوام من دراسة العلوم، والخواص من النظر فى الكتب المتقدمة. وفعل الباب مثل ذلك فحرَّم فى كتابه "البيان" التعليم وقراءة كتب غير كتبه، فكان من وراء ذلك أن حرق أتباعه القرآن الكريم، وما فى أيديهم من كتب العلم، ولكن بهاء الله أدرك أن هذا التحجير قد يصرف بعض الناس عن دعوته، فنسخ ذلك التحجير، وذلك حيث يقول فى كتابه المسمى بـ "الأقدس": "قد عفا الله عنكم ما نزل فى البيان من محو الكتب، وآذنا بكم أن تقرأوا من العلوم ما ينفعكم".
ثالثاً: من الباطنية مضن يدَّعى حلول الإلَه فى بعض الأشخاص، كالقرامطة الذين يدَّعون حلول الإلَه فى إمامهم محمد بن إسماعيل. مونجد مثل هذه الدعوى متجلية فى بعض مقالات البابية، فهذا بهاء الله يقول فى "الكتاب": "لنا مع الله حالات نحن فيها هو، وهو نحن، ونحن نحن".
وهذا عباس الملقب بعبد البهاء يقول: "وقد أخبرنا بهاء الله بأن مجئ رب الجنود والأب الأزلى، ومخلِّص العالم الذى لا بد منه فى آخر الزمان، كما أنذر جميع الأنبياء، عبارة عن تجليه فى الهيكل البَشرى، كما تجلى فى هيكل عيسى الناصرى، إلا أنَّ تجليه فى هذه المرة أتم وأكمل وأبهى، فعيسى وغيره من الأنبياء هيأوا الأفئدة والقلوب لاستعداد هذا التجلى الأعظم".
يريد بهذا: أنّ الله تجلى فيه بأعظم من تجليه فى أجسام الأنبياء على ما يزعم.
وهذا أبو الفضل الإيرانى أحد دعاتهم يقول: ".... فكل ما تُوصف به ذات الله ويُضاف ويُسند إلى الله من العزة، والعظمة، والقدرة، والعلم، والحكمة، والإرادة، والمشيئة، وغيرها من الأوصاف، إنما يرجع بالحقيقة إلى مظاهر أمره، ومطالع نوره، ومهابط وحيه، ومواقع ظهوره"... ومثل هذا كثير فى كلام زعمائهم ودعاتهم.
رابعاً: يدَّعى الباطنية رجوع الإمام المعصوم بعد استتاره، ويحصرون مدارك الحق فى أقواله. والبهائية يقولون هذا القول ويثبتونه فى كتبهم.
يقول بهاء الله فى "الكتاب": "يسند القائم ظهره إلى الحرم، ويمد يده المباركة، فتُرى بيضاء من غير سوء، ويقول: هذه يد الله، ويمين الله، وعين الله، وبأمر الله أنا الذى لا يقع عليه اسم ولا صفة، ظاهرى إمامة، وباطنى غيب لا يَدرك".
وقد عرفتَ أن البابية والبهائية يُعبِّرون عن الإمام المعصوم بـ "مَن سيظهره الله"، ويزعمون أنه هو الذى يعرف تأويل ما جاءت به الرسل عليهم السلام.
خامساً: من مبادئ قدماء الباطنية التفرس. وعلى هذا المبدأ منعوا التكلم بآرائهم فى بيت فيه سراج - أى فقيه أو متعلم - والبهائية يسيرون على هذا المبدأ وإليك ما يثبت ذلك:
أرسل إلى أبى الفضائل الإيرانى بعض إخوانه كتاباً يرجوه فيه أن يرد على مقال كتبه جرجس صال الإنجليزى بإمضاء هاشم الشامى، والمقال يتضمن توجيه الاعتراضات على فصاحة القرآن الكريم، فاعتذر أبو الفضائل عن ذلك فى رسالة أرسل بها إلى صاحبه يقول فيها:
"... إنّ هناك موانع جمة، أعظمها وأشدها مانع كبير لا يستسهل العاقل تذليل صعوباته، ولا يتسنم النبيه متن صهواته، حيث إن قلوب الذين اكتفوا من الإسلام باسمه، ومن القرآن برسمه، تغذت فى مدة مديدة، وأزمنة غير وجيزة بقشور المطال[، وألفت سفاسف المسائل حتى بعدت عن لباب الكتاب، وجهلت حقيقة معانى الخطاب، فلو كشفنا عن حقائق الإشارات، وأظهرنا المعانى المقصودة من ظواهر العبارات، فطلعت صور الحقائق المقصورة فى قصر الآيات، وتهللت وجوه المعانى المستورة فى خدور الاستعارات، لندفع تلك الردود والاعتراضات ونظهر بطلان تلك الإيرادات والانتقادات، تثور أولاً أحقاد جهلائنا، ويرتفع نعيب سفهائنا، وينادون بالويل والثبور، ويثيرون الأحقاد الكامنة فى الصدور...".