( الزيدية - وموقفهم من التفسير والقرآن الكريم )
لم يقع بين الزيدية من الشيعة، وبين جمهور أهل السُنَّة خلاف كبير مثل ما وقع من خلاف بين الإمامية وجمهور أهل السُنَّة، والذى يقرأ كتب الزيدية يجد أنهم أقرب فرق الشيعة إلى مذهب أهل السُنَّة، وما كان بين الفريقين من خلاف فهو خلاف لا يكاد يُذكر.
يرى الزيدية: أنّ علياً أفضل من سائر الصحابة، وأولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إنّ كل فاطمى عالم زاهد شجاع سخى خرج للإمامة صحّت إمامته، ووجبت طاعته، سواء أكان من أولاد الحسن، أم من أولاد الحسين، ومع ذلك فهم لا يتبرأون من الشيخين، ولا يكفرونهما، بل يجوِّزون إمامتهما، لأنه تجوز عندهم إمامة المفضول مع وجود الفاضل، كما أنهم لم يقولوا بما قالت به الإمامية من التقيَّة، والعصمة للأئمة، واختفائهم ثم رجوعهم فى آخر الزمان. وغير ذلك من خرافات الإمامية ومَن على شاكلتهم.
وكل الذى نلحظه على الزيدية، أنهم يشترطون الاجتهاد فى أئمتهم، ولهذا كثر فيهم الاجتهاد. موأنهم لا يثقون برواية الأحاديث إلا إذا كانت عن طريق أهل البيت. والذى يقرأ كتاب "المجموع" للزيدية يرى أنّ كل ما فيه من الأحاديث مروية عن زيد بن علىّ زين العابدين، عن آبائه من الأئمة. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيه بعد ذلك حديث يُروى عن صحابى آخر من غير أهل البيت رضى الله عنهم.
كما نلاحظ على الزيدية أيضاً أنهم تأثروا إلى حد كبير بآراء المعتزلة ومعتقداتهم، ويرجع السر فى هذا إلى أن إمامهم زيد بن علىّ، تتلمذ على واصل بن عطاء، كما قلنا ذلك فيما سبق.
إذن فلا نطمع بعد ذلك أن نرى للزيدية أثراً مميزاً، وطابعاً خاصاً فى التفسير كما رأينا للإمامية، لأن التفسير إنما يتأثر بعقيدة مفسِّره، ويتخذ له طابعاً خاصاً واتجاهاً معيّناً، حينما يكون لصاحبه طابع خاص واتجاه معين، وليست الزيدية - بصرف النظر عن ميولهم الاعتزالية - بمنأى بعيد عن تعاليم أهل السُنَّة، وعقائدهم، حتى يكون لهم فى التفسير خلاف كبير.
* * *


الصفحة التالية
Icon