( ١- نُقُول من كتاب "أساس التأويل" )
طبع منشورات دار الثقافة ببيروت، تأليف الداعى الإسماعيلى: النعمان بن حيون التميمى المغربى، قاضى قضاة الدولة الفاطمية المتوفى سنة ٣٦٣هـ
* مؤلف الكتاب:
هو محمد النعمان بن منصور بن أحمد بن حيان التميمى، القاضى، الذى اشتهر بأبى حنيفة الشيعة.. كان فى أول الأمر يتبع مذهب مالك، ثم التحق بالإمامية الإثنى عشرية وانتقل إلى الفاطميين، فجاء من إفرقية إلى مصر مع المعز لدين الله الفاطمى (المتوفى سنة ٣٦٥هـ) وتولى القضاء بمصر، وتوفى بها فى أواخر جمادى الثانية سنة ٣٦٣هـ.
وله: دعائم الإسلام فى الحلال والحرام والقضاء والأحكام عن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الكتاب الأساسى فى الفقه والكلام عند الإسماعيلية.
قال محقق الكتاب - الأستاذ عارف تامر - فى مقدمة "أساس التأويل": "ترردتُ كثيراً قبل أن أقدم على دفع هذا الكتاب إلى الطبع، وما ذلك إلا لرغبتى التامة فى الإبقاء عليه مدة أطول فى كهف التقيَّة بين مجموعة المخطوطات الإسماعيلية الأخرى التى لم يحن وقت نشرها وتعميمها بعد".
* ثم قال فى مقدمته:
"إنه - أى أساس التأويل - الكتاب الوحيد بين مجموعة المخطوطات الإسماعيلية الذى يعالج موضوعاً معيَّناً هو "التأويل"، والسِفْر النفيس الذى يمثل الفكرة الأساسية لهذا العلم تمثيلاً متزناً معقولاً، ويعرضها عرضاً دقيقاً مفصلاً".
* ثم قال:
"لقد كان التأويل فى عهد الدعوة الإسماعيلية المبكر وفى إبَّان ازدهارها هو الموضوع الأساسية لكل فكرة فلسفية باطنة، والشجرة التى نمت وترعرعت ثم تفرَّع منها الكثير من الأغصان، أو بلغة أصح: الأساس الذى تركزت عليه هذه الدعوة الفكرية، والغذاء الذى موَّن الفلسفة الباطنية بالحكم والمنطق والبيان، ولأجل هذا كله اعتبر "أساس التأويل" لدى الإسماعيلية من الكتب الثمينة، والذخائر الغالية التى تقضى تعاليمها العقائدية بالمحافظة على سِريَّته وكتمان تعاليمه، والسهر على منع تسرب المواد العقائدية التى وردت فيه لمن هم من غير الإسماعيليين، وكان هذا يعتبر سر العقيدة ومفتاح باب الدعوة، مضافاً إلى ذلك أن فى الكتاب تأويلاً لقصص الأنبياء التى وردت فى الكتب السماوية الثلاث: التوراة، والإنجيل، والقرآن، فكل هذا يشكل موضوعاً تقضى العقيدة بالمحافظة على أسراره التامة مما يخرج عن نطاق المفهوم لدى طبقات العامة الذين اعتبروا بأنهم لم ينالوا من الثقافة إلا قشورها، ومن العلوم إلا طواهرها".
* وقال:
"قد يكون من الوضاح أن التأويل بمعناه الواقعى لدى الإسماعيليين يختلف عن التفسير بمعناه الصحيح لدى عامة الفرق الإسلامية الأخرى، فالتفسير معناه جلاء المعنى لكل كلمة غامضة لا يفهم معناها القارئ، فإذا سئلنا مثلاً ما هو تفسير كلمة: "شجرة"؟ أجبناه: أنها نبتة تُغرس صغيرة، ثم تنمو فيتفرع منها جذوع وأغصان ينبت عليها ورق أخضر، وفى الربيع تحمل أزهاراً لا تلبث بعد ذلك حتى تعقد ثمراً طيباً... إلخ.
أما إذا قلنا: ما هو تأويل كلمة: "شجرة"؟، فنجيب: بأن ذلك يتبع رأى المسئول المباشر عن التأويل، قد يقول: إنها حجرة، أو بقرة، أو صخرة، أو غير ذلك مما يجب أن يتلاءم مع الحقيقة والواقع والعقل، فلا يكون غريباً عن التصديق، ولا بعيداً عن الفكر.
إذن فالتأويل هو باطن المعنى أو رمزه أو جوهره، وهو حقيقة مستترة وراء لفظة لا تدل عليها.. ومن هنا أعطى النظام الإسماعيلى الفكرى صلاحية التفسير للناطق، ووهب صلاحية التأويل للإمام، فالأول اعتبر يمثل الشريعة والأحكام والفقه والقانون الظاهر، والثانى يمثل الحقيقة والتأويل والفلسفة والباطن".
* وقال:
"من المسلّم به، أن التأويل من العلوم التى خَصَّ بها الإسماعيليون أئمتهم وسُموا لأجله بالباطنية، فقد جعلوا محمداً هو صاحب التنزيل للقرآن كما قلنا، وجعلوا علياً صاحب التأويل، أى أن القرآن أُنزِل على محمد بلفظه ومعناه الظاهر للناس، أما أسراره التأويلية الباطنة فقد خُصَّ بها علىّ والأئمة من بعده. وقد أخذ الإسماعيليون بعض آيات القرآن الكريم دليلاً على القول بوجوب التأويل، كقوله: ﴿وَكَذالِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾، وكقوله: ﴿وَكَذالِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ﴾، وكقوله: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً﴾، وكقوله: ﴿هُوَ الَّذِي؟ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ..... إلى قوله: {أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾.
* وقال:
"هناك أدلة عقلية على وجوب التأويل أُخِذت من القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي؟ أَنفُسِهِمْ﴾.