( ٢- مختارات من كتاب "مسائل مجموعة من الحقائق العالية والدقائق والأسرار السامية" )
وهى لمؤلف مجهول، ومكتوب عليها: لا يجوز الاطلاع عليها إلا بإذن مَن له الحل والعقد:
قال فى مقدمتها: "أما بعد أيها الأخ... فقد وقفتُ على مسائلك التى دلّت على تألف جذوة ذكائك، وعلوك فى مرتبة العلم وارتقائك، وسألتَ الإجابة عنها، وهى - أيها الأخ - تقتضى جواباً من زُيد الحقائق المصونة، وسرائر الحكم المكنونة، ولب الفوائد المخزونة، وأنا أتحقق أنك أهل لأن تطلع على ذلك، وحقيق بأن تُخَص بفضل ما هنالك، إلا أنه مما لا يودع فى بطون الأوراق، ولا يجب أن يُرمق من العيون الشحمية بالأحداق، صيانة له عن إبدائه وبذله، وخوفاً عليه أن يقع إلى غير أهله، بل يجب أن يكون قرطاسه الأذن الواعية، وقلمه اللسان المترجمة عن جواهرها العالية، لكنى لما أوثره من الجلاء لبصيرتك، والزيادة فى إنارة صورتك، كتبت لك فى هذه الأوراق، وأنا آخذ عليك عهد الله تعالى وعظيم الميثاق الذى أخذه على ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المنتجين، وأئمة دينه الهادين، وحدودهم الميامين، وإلا فأنت برئ منهم أجمعين، لا وقف على ذلك إلا أنت أو أولادك لا غيرهم، ثم يُرد إلى هذه الكراسة بعد أن تحفظ ما فيها، وإن أردت أن تغيب ذلك تركتها عندك مدة ما يُحفظ ما فيها، ثم أعدتها إلىّ، والله على ما نقول وكيل".
*قال: "إن الله تعالى نزّه أمهات الأئمة عن الطمث، كما قال الله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾، يعنى بالرجس: دم الطمث".
*قال فى جوابه عن قوله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾: "نقول بفضل الله تعالى ومادة وليه فى أرضه صلوات الله عليه:
إنَّ سجين هى الصخرة التى تقدم ذكرها أن فيها العذاب الأكبر، وهى كما قال الله تعالى: ﴿كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّين﴾، ذكر سيدنا حميد الدين أعلى الله قدسه فى كتاب "راحة العقل" أن المعْنِىّ بذلك بكتاب الفجار يعنى نفوس الفجار المرقوم فيها ما اكتسبت من الذنوب، وقال: "سجين": صخرة فى أسفل الأرض يُعذِّب فيها المخالفون، فعنى بـ "كتاب الفجار" إمامهم وأتباعهم الذين انكتبت فى نفوسهم المعاصى فاستحقوا بها الكون هنالك بخلافهم للحق. كما قال بعض العلماء فى بعض أشعاره:
*سجنهم سجين إذ لم يتبعوا * علينا، دليل عليينا*
وقال الله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾، فعَنِىَ بـ "عليين": عالم الإبداع، و "كتاب الأبرار": إمامهم ونفوسهم التى انكتبت فيها المعارف الحقيقية وصحّت منهم الولاية لأهل الحق، وصفوا وخلصوا فصاروا أئمة بعد أن كانوا مأمورين كما قال الله تعالى فيهم: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾، فهم المستضعفون؛ يعنى المؤمنين الذين يمن الله عليهم فيصيرون أَئمة كما تقدم شرح ذلك، ويحصلون فى عليين عند صعودهم فى زمرة القائم سلام الله عليه الذى به يصيرون عقلاً مجرداً مثل مَن يخلفونه من عقول عالم الإبداع الذى هو العاشر، ويرتفع العاشر إلى مرتبة مُن فوقه، فاعلم ذلك".
* قال: "ولما كان الدين ظاهراً وباطناً قام النبى صلى الله عليه وعلى آله بتبليغ الظاهر، وصرف إلى وصيه نصف الدين وهو الباطن... ولذلك خاطبه بقوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، فعنى بـ "وجهه" وصيه، وعنى بـ "المسجد الحرام" دعوته التى هى الحرم الذى مَن دخله كان آمناً أو أطاعته واستقام على ذلك، و "الشطر" الذى ولاه إياه بتأويل التنزيل والشريعة اللذين جاء بهما الرسول صلى الله عليهما وعلى آلهما".
* وقال فى شرحه لقول علىّ فى خطبة النهروان: "إنّ كلامى مغلق، وعلمى غامض، وحكمتى غزيرة": "إنّ مولانا يعنى - صلوات الله عليه - يكون كلامه مغلقاً، وعلمه غامضاً، لأنه إنما ينبئ عن خفيات الغيوب، وما أطلعه الله تعالى عليه بواسطة رسوله صلوات الله عليهما وعلى آلهما من العلم المحجوب، كما قال: "علّمنى رسول الله ﷺ ألف باب من العلم، انفتح لى من كل باب منها ألف باب، أدركتُ علم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة"، فهو إذا تكلم بذلك انغلق على مَن لم يتصل بمن عندهم مفاتيحه، ولديهم لديجور الشك مصابيحه من أولاده أئمة الهدى عليهم جميعاً السلام.


الصفحة التالية
Icon