قال المؤلف فى مقدمة تفسيره بعد أن ذكر فضل القرآن الكريم ما نصه: "غير أن أسرار تأويله لا تهتدى إليه العقول، وأنوار حقائق خفياته لا تصل إليه قريحة المفضول، ولهذا اختلف فى تأويله الناس، وصاروا فى تفسيره على أنفاس وانعكاس، قد فسّروه على مقتضى أديانهم، وسلكوا به على موجب مذاهبهم واعتقادهم، وكل حزب لما لديهم فرحون، ولم يرجعوا فيه إلى أهل الذكر صلى الله عليهم وسلم أجمعين، أهل التنزيل والتأويل القائل فيهم جَلَّ جلاله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ لا غيرهم، وهم الذين أوتوا العلم وأولوا الأمر وأهل الاستنباط وأهل الذكر الذين أُمر الناس بسؤالهم كما جاءت به الآثار النبوية والأخبار الإمامية، ومَن ذا الذى يحوى القرآن غيرهم ويحيط تنزيله وتأويله سواهم؟ ففى الحديث عن مولانا باقر العلم أبى جعفر محمد بن علىّ عليهما السلام قال: "ما يستطيع أحد أن يدّعى أنه جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء". وفى حديث آخر عن جابر قال: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام يقول: "ما من أحد من الناس ادّعى إلى علىّ بن أبى طالب والأئمة من بعده". وفى الحديث عن مولى الأمة وإمامها أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليه السلام: "أن عبد الله بن عباس جاءه عليه السلام يساله عن تفسير القرآن فوعده بالليل، فلما حضر قال: ما أول القرآن؟ قال: الفاتحة، قال: وما أول الفاتحة؟ قال: ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ﴾، قال وما أول ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ﴾؟ قال: ﴿بِسْمِ﴾، قال: وما أول ﴿بِسْمِ﴾؟ قال: الباء، فجعل عليه السلام يتكلم فى الباء طول الليل، فلما قرب الفجر قال: لو زادنا الليل لزدنا". وقال عليه السلام فى حديث آخر: "لو شئتُ لأوقرتُ سبعين بعيراً فى تفسير فاتحة الكتاب".
ثم ساق أحاديث أخرى ثم قال:
"إذا عرفتَ ذلك فقد رأيتَ عكوف أهل الزمان على تفسير مَن لم يرووه عن أهل العصمة سلام الله عليهم الذى أنزل التنزيل والتأويل فى بيوتهم وأوتوا من العلم ما لم يؤته غيرهم، بل كان يجب التوقف حتى يأتى تأويل عنهم لأن علم التنزيل والتأويل فى أيديهم مما جاء عنهم عليهم السلام فهو النور والهدى، وما جاء عن غيرهم فهو الظلمة والعمى، والعجب كل العجب من علماء علمى المعانى والبيان حيث زعموا أن معرفة هذين العلمين يطلع على مكنون سر الله جُلَّ جلاله من تأويل القرآن، قال بعض أئمتهم: ويل، ثم ويل، ثم ويل لمن تعاطى التفسير وهو فى هذين العلمين راجل، وذلك أنهم ذكروا أن العلمين مأخوذان من استقراء تراكيب كلام العرب البلغاء، باحثان عن مقتضيات الأحوال والمقام كالحذف، والإضمار، والفصل، والوصل، والحقيقة، والمجاز، وغير ذلك.
ولا ريب أن محل ذلك من كتاب الله جَلَّ جلاله يحتاج معرفته إلى العلم به من أهل التنزيل والتأويل، وهم أهل البيت عليهم السلام الذين علَّمهم الله سبحانه وتعالى فلا ينبغى معرفة ذلك إلا منهم، ومَن تعاطى معرفته من غيرهم ركب متن عمياء، وخبط خبط عشواء، فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنَّى تُصرَفون؟
"وقد كنت أولاً قد جمعت فى كتاب "الهادى" كثيراً من تفسير أهل البيت عليهم السلام قبل عثورى على تفسير الشيخ الثقة محمد بن مسعود العياشى. وتفسير الشيخ الثقة محمد بن العباس بن ماهيار المعروف بابن الحجام ما ذكره عنه الشيخ الفاضل شرف الدين النجفى وغيرهما من الكتب الآتى ذكرها فى الباب الخامس عشر فى ذكر الكتب المأخوذ منها الكتاب وذكر مصنفيها فى مقدمة الكتاب، وهذه الكتب من الكتب المعتمَد عليها، والمعوّل والمرجع إليها، مصنوفها مشايخ معتبرون، وعلماء منتجبون.
"وربما ذكرت فى الكتاب التفسير عن ابن عباس على قِلّة إذ هو تلميذ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وربما ذكرت التفسير من طريق الجمهور إذا كان موافقاً لرواية أهل البيت عليهم السلام، أو كان فى فضل أهل البيت عليهم السلام.. عن ابن عباس عن النبى ﷺ قال: "القرآن أربعة أرباع، فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع حلال، وربع حرام، وربع فرائض وأحكام، والله أنزل فينا كرائم القرآن". والعجب من مصنفى تفسير الجمهور مع روايتهم هذه الرواية أنهم لم يذكروا إلا القليل فى تفاسيرهم من فضل أهل البيت ولا سيما متأخرى (هكذا) مفسريهم كصاحب الكشاف والبيضاوى.
"ثم إن لم أعثر على تفسير الآية من صريح رواية مسند عن أهل البيت ذكرت ما ذكره الشيخ أبو الحسن علىّ بن إبراهيم الثقة فى تفسيره، إذ هو منسوب إلى مولانا وإمامنا الصادق عليه السلام.