"وكتابى هذا يطلعك على كثير من أسرار علم القرآن، ويرشدك إلى ما جهله متعاطى التفسير من أهل الزمان، ويوضح لك عن ما ذكره من العلوم الشرعية والقصص والأخبار النبوية وفضائل أهل البيت الإمامية، إذ صار كتاباً شافياً ودستوراً وافياً ومرجعاً كافياً، حُجَّة فى الزمان، وعيناً من الأعيان، إذ هو مأخوذ من تأويل أهل التنزيل والتأويل الذين نزل الوحى فى دارهم عن جبريل عن الجليل، أهل بيت الرحمة، ومنبع العلم والحكمة، صلى الله عليهم أجمعين".
ثم ذكر المؤلف ألَّف تفسيره خدمة للسلطان شاه بهادر خان الذى أثنى عليه بالغ الثناء، ووصل نسبه بنسب المصطفى عليه السلام، ثم قال: "واعلم أيها الراغب فيما جاء عن أهل البيت عليهم السلام من التفسير، والطالب لما سنح منهم من الحق المنير، أنى قد جمعت ما فى تفسير "الهادى ومصباح النادى" الذى ألَّفته أولاً إلى زيادات هذا الكتاب ليعم النفع ويسهل أخذه على الطلاب، إن فى ذلك لعبرة لأولى الألباب، وشفاء للمؤمنين، ونوراً لمن استضاء مِنْ خُلّصِ الأصحاب، فهو كتاب عليه المعوَّل، وإليه المرجع لا تفاسير الجمهور، فهذا التفسير الظل وتفاسيرهم الحرور.
"فيقول مؤلفه فقيراً إلى الله الغنى، عبده هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسينى البحرانى: إنى جعلت قبل المقصود مقدمة فيها أبواب تشتمل على فوائد فى الكتاب، وسميته "البرهان فى تفسير القرآن" وهو قد اشتمل على كثير من أهل البيت عليهم السلام، الذين نزل القرآن فى منازلهم، فمرجع تنزيله وتأويله إليهم، والله سبحانه نسأل أن يجعل محيانا محياهم، ومماتنا مماتهم، وهو حسبنا ونعم الوكيل".
ثم ذكر عدة أبواب:
الباب الأول: فى فضل العالِم والمتعلم.
والباب الثانى: فى فضل القرآن.
والباب الثالث: فى الثقلين وهما: كتاب الله والعترة.
(ويعنى بالعترة الأئمة الإثنى عشر كما صرّح بذلك فى الحديث الثالث رواية عن علىّ، وقيل: أهل بيت النبى ﷺ عامة).
والباب الرابع: فى معنى الثقلين من طريق المخالفين وفى أنه ما من شىء يحتاج إليه العباد إلا وهو فى القرآن وفيه تبيان كل شىء.
والباب الخامس: فى أن القرآن لم يجمعه كما أنزل إلا الأئمة عليهم السلام وعندهم تأويله، وذكر أحاديث منها: عن أبى عبد الله قال: "إنَّا أهل بيت لم ينبعث منا إلا مَن يعلم كتابه من أوله إلى أخره".
وعن أبى عبد الله أيضاً قال: "والله إنى لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنه فى كفى، فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله تعالى: "فيه تبيان كل شىء".
وعن يعقوب بن جعفر قال: "كنت مع أبى الحسن عليه السلام بمكة، فقال له رجل: إنك لتفسر من كتاب الله ما لم يُسمع، فقال: علينا نزل قبل الناس ولنا فُسر قبل أن يُفسر فى الناس، فنحن نعلم حلاله وحرامه، وناسخ ومنسوخه، وسفريه وحضريه، وفى أى ليلة نزلت من آية، وفيمن نزلت، فنحن حكماء الله فى أرضه، وشهداؤه على خلقه، وهو قوله تبارك وتعالى: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾، فالشهادة لنا والمسألة للمشهود عليه، فهذا قد أنهيته". وعن أبى عبد الله قال: "إنَّا أهل بيت لم يزل الله يبعث منا مَن يعلم كتابه من أوله إلى آخره، وإن عندنا من حلاله وحرامه ما يسعنا كتمانه ما نستطيع أن نحدِّث به أحداً".
والباب السادس: فى النهى عن تفسير القرآن بالرأى والنهى عن الجدال، ويروى فيه عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبى جعفر عليه السلام فقال: يا قتادة، أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون، قال أبو جعفر: بلغنى أنك تفسِّر القرآن. قال له قتادة: نعم، فقال له أبو جعفر: فإن كنتَ تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك، قال قتادة: سل، قال: أخبرنى عن قول الله عزّ وجَلَّ فى سبأ: ﴿وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ﴾.
فقال قتادة: ذاك مَن خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يريد هذا البيت كان آمناً حتى يرجع إلى أهله، فقال أبو جعفر: ناشدتك الله يا قتادة، هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وكراء حلال يريد هذا البيت فتُقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويُضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة: اللَّهم نعم، فقال أبو جعفر: ويحك قتادة، إن كنتَ إنما فسَّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، ويحك يا قتادة، ذلك مَن خرج من بيته بزاد وراحلة وكراء حلال يروم هذ البيت عارفاً بحقنا يهوانا قلبه كما قال الله تعالى: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي؟ إِلَيْهِمْ﴾، ولم يعن البيت فيقول: "إليه"، فنحن واللهِ دعوة إبراهيم عليه السلام التى مَن هواها قُبِلت حجته وإلا فلا، يا قتادة، فإن كان كذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة، قال قتادة: لا جَرَم واللهِ لا فسرتها إلا هكذا، فقال أبو جعفر: ويحك يا قتادة، إنما يعرف القرآن مَن خوطب به".


الصفحة التالية
Icon