فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا الحسن، إنَّ الله عزَّ وجلَّ أوجب لك من الفضائل والثواب ما لا يعرفه غيره، ينادى مناد يوم القيامة: أين محبو علىّ ابن أبى طالب؟ فيقوم قوم من الصالحين فيقال لهم: خذوا بأيدى مَن شئتم من عرصات يوم القيامة فأدخلوهم الجنة، وأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل، ثم ينادى منادٍ: أين البقية من محبى علىّ بن أبى طالب؟ فيقوم قوم مقتصدون فيقال لهم: تمنوا على الله ما شئتم فيتمنون فيفعل بكل واحد منهم ما تمناه ثم يُضعِّف له مائة ألف ضعف، ثم ينادى منادٍ: أين البقية من محبى علىّ بن أبى طالب؟ فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم معتدون عليها، ويقال: أين المبغضون لعلىّ بن أبى طالب؟ فيؤتى بهم جم غفير وعدد كثير، فيُجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبى علىّ بن أبى طالب عليه السلام ليدخلوا الجنة، فينجى الله عزَّ وجَلَّ محبيك ويجعل أعداءهم فداءهم.
ثم قال رسول الله ﷺ لعلىّ عليه السلام: "انظر"، فينظر إلى عبد الله ابن أبىّ وإلى سبعة من اليهود، قال: قد شاهدت، ختم الله على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت يا علىّ أفضل شهداء الله فى الأرض بعد محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال: فذلك قوله: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها، ويبصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبصرها خير خلق الله بعده علىّ بن أبى طالب عليه السلام، ثم قال: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ﴾: فى الآخرة، ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾: من كفرهم بالله وكفرهم بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
"وعند قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾، يروى عن جعفر الصادق أنه قال: إن رسول الله ﷺ لما أوقف أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب عليه السلام فى يوم الغدير موقفه المشهور المعروف، ثم قال: "يا عباد الله، انسبونى"، فقالوا: أنت محمد ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ثم قال: "أيها الناس، الستُ أولى بكم من أنفسكم، فأنا مولاكم أولى بكم من أنفسكم"؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فنظر رسول الله ﷺ إلى السماء فقال: "اللهم إنى استشهدك بقول هؤلاء" - ويقول ذلك ثلاثاً - ثم قال: "ألا فمَن كنتُ مولاه وأولى به، فهذا مولاه وأولى به، اللهم وَالِ مَن والاه وعاد مَن عاجاه وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله"، ثم قال: "قم يا أبا بكر فبايع له بإمرة المؤمنين"، فقام فعل ذلك وبايع له، ثم قال: "قم يا عمر فبايع له بإمرة المؤمنين"، فقام وبايع له، ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة ثم لرؤساء المهاجرين والأنصار، فبايعوا كلهم، فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب عليه اللعنة..
فقال: بَخٍ بَخٍ لك يابن أبى طالب، أصبحت مولاى ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ثم تفرَّقوا عن ذلك وقد وكدت عليهم العهود والمواثيق. ثم إنّ قوماً من متمردى جبابرتهم تواطئوا بينهم إن كان لمحمد ﷺ كائنة ليُدفعُنَّ هذا الأمر عن علىّ عليه السلام ولا يتركونه له، فعرف الله ذلك فى قلوبهم، وكانوا يأتون رسول الله ﷺ ويقولون: لقد أقمت علينا أحب خلق الله إلى الله وإليك وإلينا، وكفيتنا مؤنة الظلمة والجبابرة فى سياستنا، وعلم الله فى قلوبهم خلاف ذلك مواطأة بعضهم لبعض أنهم على العداوة مقيمون، ولدفع الحق عن مستحقه مؤثرون، فأخبر الله عزَّ وجَلَّ محمداً عنهم فقال: يا محمد: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الذى أمرك بنصب علىّ عليه السلام إماماً وسائساً لأمتك ومدبراً، ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ بذلك ولكنهم مواطئون على هلاكك وإهلاكه، يواطئون أنفسهم على التمرد على علىّ عليه السلام إن كانت بك كائنة".
ثم ساق تفسير الآيات بعد على هذا النحو الغريب العجيب، وذكر أن "الجبال انقلبت لعلىّ بن أبى طالب فضة، ثم ذهباً، ثم مسكاً وعنبراً وجواهر ويواقيت، ونادته أنها مسخَّرات له فليأمرها بما يشاء، وأنها نادته بأنّ له عند الله من الشأن العظيم ما لو سأل الله أن يح السماء إلى الأرض أو ينقل الأرض إلى السماء لفعل..... وأن هذا كله وغيره وقع أمام القوم وشاهدوه فمرضت قلوبهم بالإضافة إلى مرض أجسامهم لما شاهدوه من فضل علىّ، فقال الله عند ذلك: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً﴾.... إلخ".