( التفسير والمفسرون ) ضمن الموضوع ( ٣- الإمامية ) ضمن العنوان ( الإثنا عشرية أو الجعفرية )
إنّ الذين قطعوا بموت موسى بن جعفر الكاظم وسموا "قطعية" ساقوا الإمامة بعده فى أولاده، فقالوا: الإمام بعد موسى علىّ الرضا ومشهده بـ "طوس"، ثم بعده محمد التقى وهو فى مقابر قريش، ثم بعده علىّ بن محمد النقى ومشهده بـ "قم"، وبعده الحسن العسكرى الزكى، وبعده ابنه القائم المنتظر الذى هو بـ "سر مَن رأى"، وهو اثانى عشر.. هذا هو طريق الإثنى عشرية فى زماننا إلا أن الاختلافاات التى وقت فى حال كل واحد من هؤلاء الإثنى عشر والمنازعات التى جرت بينهم وبين إخوتهم وبنى أعمامهم وجب ذكرها لئلا يشذ عنها مذهب لم نذكره ومقالة لم نوردها.
فاعلم أن من الشيعة مَنْ قال بإمامة أحمد بن موسى بن جعفر دون أخيه علىّ الرضا، ومَن قال بـ "علىّ" شك أولاً فى محمد بن علىّ إذ مات أبوه وهو صغير غير مستحق للإمامة ولا علم عنده بمناهجها، فثبت قوم على إمامته واختلفوا بعد موته.
فقال قوم بإمامة موسى بن محمد، وقال قوم بإمامة علىّ بن محمد ويقولون هو "العسكرى".
واختلفوا بعد موته أيضاً، فقال قوم بإمامة الحسن بن علىّ، وكان لهم رئيس يقال ه علىّ بن فلان الطاحن وكان من أهل الكلام قوَّى أسباب جعفر بن علىّ وأمال الناس إليه، وأعانه فارس بن حاتم بن ماهوية، وذلك أن محمداً قد قامت وخلف الحسن العسكرى قالوا: امتحنا الحسن ولم نجد عنده علماً، ولقبوا مَن قال بإمامة الحسن: "الحمارية"، وقوُّوا أمر جعفر بعد موت الحسن واجتمعوا بأنَّ الحسن مات بلا خلف فبطلت إمامته لأنه لم يعقب، والإمام لا يكون إلا ويكن له خلف وعقب، وجاز جعفر ميراث الحسن بعد دعوى ادعاها عليه أنه فعل ذلك من حبل فى جواريه وغيره، وانكشف أمرهم عند السلطان والرعية وخواص الناس وعوامهم وتشتت كلمة مَن قال بإمامة الحسن وتفرّقوا أصنافاً كثيرة فتثبتت هذه الفرقة على إمامة جعفر ورجع إليهم كثير ممن قال بإمامة الحسن، منهم الحسن بن علىّ بن فضال وهو من أجَلِّ أصحابنهم وفقهائهم كثير الفقه والحديث.
ثم قالوا بعد جعفر بعلىّ بن جعفر وفاطمة بنت على أخت جعفر.
وقال قوم بإمامة علىّ بن جعفر دون فاطمة السيدة، ثم اختلفوا بعد موت علىّ وفاطمة اختلافاً كثيراً، وغلا بعضهم فى الإمامة غلو أبى الخطاب الأسدى، وأما الذين قالوا بإمامة الحسن فقد افترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة وليست لهم ألقاب مشهورة، ولكنَّا نذكر أقاويلهم:
الفرقة الأولى: قالت إنّ الحسن لم يمت وهو القائم، ولا يجوز أن يموت ولا ولد له ظاهراً لأن الأرض لا تخلو من إمام، وقد ثبت عندنا أنّ القائم له غيبتان، وهذه إحدى الغيبتين وسيظهر ويُعرف ثم يغيب غيبة أخرى.
الثانية: قالت إنّ الحسن مات لكنه يجىء وهو القائم، لأنَّا رأينا أنَّ معنى القائم هو القيام بعد الموت، فنقطع بموت الحسن لا نشك فيه، ولا ولد له فيجب أن يجئ بعد الموت.
الثالثة: قالت إنَّ الحسن قد مات وأوصى إلى جعفر أخيه ورجعت إمامة جعفر.
الرابعة: قالت إن الحسن قد مات والإمام جعفر وإنَّا كنا مخطئين فى الائتمام به إذ لم يكن إماماً، فلما مات ولا عقب له تبيُّناً أنَّ جعفراً كان محقاً فى دعواه والحسن مبطلاً.
الخامسة: قالت إنَّ الحسن قد مات وكنا مخطئين فى القول، وإنَّ الإمام كان محمد بن علىّ أخو الحسن وجعفر لما ظهر لنا فسق جعفر وإعلانه به وعلمنا أنَّ الحسن كان على مثل حاله إلا أنه كان يتستر، عرفنا أنهما لم يكونا إمامين فرجعنا إلى محمد ووجدنا له عقباً وعرفناه أنه كان هو الإمام دون أخويه.
السادسة: قالت: إنّ للحسن ابناً، وليس الأمر على ما ذكروا أنه مات ولم يعقب، ولد قبل وفاة أبيه بسنتين فاستتر خوفاً من جعفر وغيره من الأعداء واسمه محمد وهو الإمام القائم المنتظر.
السابعة: قالت: إنَّ له ابناً ولكنه وُلِد بعد موته بثمانية أشهر، وقول مَن ادَّعى أنه مات وله ابن باطل لأنّ ذلك لم يخف ولا يجوز مكابرة العيان.
الثامنة: قالت: صحَّت وفاة الحسن وصحَّ أنه لا ولد له وبطل ما ادعى من الخبل فى سرية له وثبت أنه لا إمام بعد الحسن وهو جائز فى المعقول أن يرفع الله الحُجَّة عن أهل الأرض لمعاصيهم وهى فترة وزمان لا إمام فيه والأرض اليوم بلا حُجَّة كما كانت الفترة قبل مبعث النبى صلى الله عليه وسلم.
التاسعة: قالت: إنَّ الحسن قد مات وصحَّ موته، وقد اختلف الناس هذا الاختلاف ولا ندرى كيف هو، ولا نشك أنه قد وُلِد له ابن، ولا ندرى قبل موته أو بعد موته، إلا أنَّا نعلم يقيناً أن لا تخلو عن حُجَّة وهو الخلف الغائب، فنحن نتوالاه ونتمسك باسمه حتى يظهر بصورته.
العاشرة: قالت: نعلم أنَّ الحسن قد مات ولا بد للناس من إمام ولا تخلو الأرض من حُجَّة ولا ندرى من ولده أو من غيره.