( الكيالية )
أتباع أحمد بن الكيال، وكان من دعاة واحد من أهل البيت بعد جعفر بن محمد الصادق، وأظنه من الأئمة المستورين، ولعله سمع كلمات علمية فخلطها برأيه الفائل وفكره العاطل، وأبدع مقالة فى كل باب علمى على قاعدة غير مسموعة ولا معقولة، وربما عاند الحسن فى بعض المواضع، ولما وقفوا على بدعته تبرأوا منه ولعنوه، وأمروا شيعتهم بمنابذته وترك مخالطته، ولما عرف الكيال ذلك صرف الدعوة إلى نفسه وادَّعى الإمامة أولاً، ثم ادَّعى أنه القائم ثانياً.
وكان من مذهبه أنَّ كلمن قدر الآفاق على الأنفس وأمكنه أن يبين مناهج العالَمين - أعنى عالَم الآفاق وهو العالَم العلوى، وعالَم الأنفس وهو العالَم السفلى، كان هو الإمام، وأن مَن قرر الكل فى ذاته، وأمكنه أن يبين كل كلى فى شخصه المعين الجزئى، كان هو القائم، فقال: ولم يوجد فى زمن من الأزمان أحد يقرر هذا التقرير إلا أحمد الكيال، فكان هو القائم، وإنما قبله مَن انتمى إليه أولاً على بدعته، ذلك أنه الإمام ثم القائم، وبقيت من مقالته فى العالم تصانيف عريبة وعجمية كلها مزخرفة مردودة شرعاً وعقلاً:
قال الكيال: العوالم ثلاثة: العالَم الأعلى، والعالَم الأدنى، والعالَم الإنسانى، وأثبت فى العالم الأعلى خمسة أماكن: الأول مكان الأماكن وهو مكان فارع لا يسكنه موجود ولا يدبره روحانى وهو محيط بالكل.
قال: والعرش الوارد فى الشرع عبارة عنه، ودونه مكان النفس الأعلى، ودونه مكان النفس الناطقة، ودونه مكان النفس الحيوانية، ودونه مكان النفس الإنسانية.
قال: وأرادت النفس الإنسانية الصعود إلى عالَم النفس الأعلى فصعدت وخرقت المكانين - أعنى الحيوانية والناطقية - فلما قربت من الوصول إلى عالم النفس الأعلى كلَّت وانحسرت وتحيَّرت وتعفنت واستحالت أجزاؤها، فأُهْبِطت إلى العالَم السلفى ومضت عليها أكوار وأدوار وهى فى تلك الحالة من العفونة والاستحالة، ثم ساحت عليها النفس الأعلى وأفاضت عليها من أنوارها جزء التراكيب فى هذا العالَم، فحدثت وحدثت السموات والأرض والمركبات من المعادن والنبات والحيوان والإنسان، ووقعت فى بلايا هذا التركيب تارة سروراً وتارة غماً، وتارة فرحاً وتارة ترحاً، وطوراً سلامة وعافية، وطوراً بليِّة ومحنة، حتى يظهر القائم ويردها إلى حال الكمال وتنحل التراكيب وتبطل المتضادات ويظهر الروحانى على الجسمانى وما ذلك القائم إلا أحمد الكيال.
ثم دلّ على تعيين ذاته بأضعف ما يتصور وأوهى ما يقدر، وهو أن اسم أحمد مطابق للعوالم الأربعة، فالألف من اسمه فى مقابلة النفس الأعلى، والحاء فى مقابلة النفس الناطقة، والميم فى مقابلة النفس الحيوانية، والدال فى مقابلة النفس الإنسانية. قال: فالعوالم الأربعة هى المبادئ والبسائط، وأما مكان الأماكن فلا وجود فيه البتة.
ثم أثبت فى مقابلة العوالم العلوية العالَم السفلى الجسمانى. قال: فالسماء خالية وهى فى مقابلة مكان الأماكن، ودونها النار ودونها النار ودونها الهواء ودونها الأرض ودونها الماء، وهذه الأربعة فى مقابلة العوالم الأربعة.
ثم قال: الإنسان فى مقابلة النار، والطائر فى مقابلة الهواء، والحيوان فى مقابلة الأرض، والحوت فى مقابلة الماء، فجعل مركز الماء أسفل المراكز، والحوت أخس المركبات.
ثم قابل العالم الإنسانى الذى هو أحد الثلاثة وهو عالم الأنفس مع آفاق العالمين الأولين الروحانى والجسمانى.
قال: الحواس المركبة فى خمس، فالسمع فى مقابلة مكان الأماكن إذ هو فارغ، وفى مقابلة السماء والبصر فى مقابلة النفس الأعلى من الروحانى، وفى مقابلة النار من الجسمانى وفيه إنسان العين، لأن الإنسان مختص بالنار. والشم فى مقابلة الناطق من الروحانى والهواء من الجسمانى، لأن الشم من الهواء يتروح ويتنسم، والذوق فى مقابلة الحيوانى من الروحانى والأرض من الجسمانى، والحيوان مختص بالأرض والطعم بالحيوان، واللمس فى مقابلة الإنسانى من الروحانى والماء من الجسمانى، والحوت مختص بالماء واللمس بالحوت، وربما عبَّر عن اللمس بالكناية.
ثم قال: "أحمد: ألف وحاء وميم ودال، وهو فى مقابلة العالَمين، أما فى مقابلة العالم العلوى الروحانى فقد ذكرنا، وأما فى مقابلة العالَم السفلى الجسمانى، فالألف يدل على الإنسان، والحاء على الحيوان، والميم على الطائر، والدال على الحوت، فالألف من حيث استقامة القامة كالإنسان، والحاء كالحيوان للأنه معوج منكوس ولأن الحاء من ابتداء اسم الحيوان، والميم يشبه رأس الطير، والدال يشبه ذنب الحوت.
ثم قا: "إنَّ البارى تعالى إنما خلق الإنسان على شكل اسم أحمد، فالقامة مثل الألف، واليدان مثل الحاء، والبطن مثل الميم، والرجلان مثل الدال".